منذ أن بتُّ حبيسة هذا الكون وأنا أتعلم النقش على الجدران وحفر الأخاديد على الأركان واستنزاف شرايين الذاكرة بحثاً عن الوقود الذي أصهر على حرارته براكيني، أن تعيش كشجرة مثمرة طوال فصول العام ليس بالأمر السهل، لأنك لن تتجرد من الأوراق حين يأت الخريف وتصبح حراً من مخالب الطيور، ولن تزهر بالحب، عندها يسقط الربيع عن قوس قزح، ولن تدفئ الشمس فروعك السامقة حين تهب رياح الشتاء القارس، أن تعطى ما لا تريد دون أن تحصل على ما تريد فهذا يفني معالمك ويسوقك نحو اللا شيء حتى تصبح لحظة منسية ابتلعتها الأيام في موسم قحط، كثيراً عانيت الوقوف خلف القضبان أرقب لحظة الوصول إلى مقصلة الحرية وارتعد شوقاً إلى الموت على ضفاف الأرصفة!.
قيدتني عيناك عن الزحف إلى عالمي الآخر، يداك أوقفتا نضج أحلامي وبقيت أمامك صغيرة أقضم قطع الحلوى بكلتا يداي، أنت علمتني حسن الإصغاء لصوتك وجعلتني أبحر عبر أنفساك إلى قيعان روحك، ورويت على مسامعي قصص الجاذبية الأرضية التي جعلت أقدام البشر صخوراً وخواصرهم أودية وأحداقهم كهوفاً مظلمة، أنت كنت النار التي اشعلت براكين الخاملة، لكنك أيضاً كنت الرماد الذي لوث أصابعي بالحنين حتى صنعت من أوراقي سفناً ومن لوعة الإحساس أشرعةً ومن وميض الحلم أجنحة، أنت كنت البرواز الذي جمع أجزائي المتناثرة رغماً عني، أنت كنت نصف النهار المظلم ونصف الليل المضيئ، أنت كنت اللعبة المعلقة على زاوية الوقت ولم استطع أن أدرك أنها مجرد لعبة، كنت كأساً فارغة من الحب ولكنني لم أكن قارورة الأمنيات المحرمة!.
كم تمثل الرجال بالرغبات ثم لا تبصق صدورهم إلا رعشة مشوهة!
أنت ملكت بعض أحرفي وحللت ضيفاً على ذاكرتي ولكنك لم تسكن قلبي بعد ولم تعرف تفاصيل هواجسي، أنت مثل الخرافة في حياة الريف يؤمنون بها وهي عالقة في رحم المستحيل لا يمكن أن يراها أحد.. كنت أراك المنفي الجميل الذي يحتضن بقايا قصائدي مهما كانت مختلة الوزن مبتورة القافية، لكنك بقيت كنسر بلا جناحين يعيش وحيداً على مساحة حلم! فمتى أعود أدراج ذاكرتي وأنساك؟! متى أحتفل بالخروج من سجنك؟! متى أقص شريط عمري وأعيش بعيداً عنك؟! متى أعلن دخولي سن الرتابة وأملّ وصلك كما أملّ هجرك؟ متى أصبح امرأة شوكية حتى تتوب عن تذوق مشاعري بوحشية الأسود؟! هيا أمنحني حريتي واقرأ على قلبك فاتحة الموت، اعطني لون عيني وردَّ قلبي إليَّ، لا تحمل هم الانكفاء على الروح ولا تشاطرني لحظة الوحدة ولا تكفكف أدمع الأيام حول ذكراي، أنا ما ركعت في محرابك يوماً ولا صليت بين يديك صلاة عاشقةٍ بات فؤادها يعصر خمرة الوصل في كأس الجفى، هيا اعطني بعض انبهاري بحياةٍ اتلفت جذور اعتقادي بك وكن صبوراً إذا عصفت بك رياح ذكراي، فأنا امرأة أتوسل الصمت وأخبز بين يدي عجينة اليقين، ثم لا ألتهم أصابعي بعدها ابداً مهما كنتُ جائعة.
ألطاف الأهدل
أعطني حرّيتي.. أطلق يديَّا! 2347