أذكر أنني بدأت الكتابة حين كنت في عمر ابنتي الوسطى "12 عاماً" وكنت أجيد العبث بالألفاظ وأعشق استدراج المشاعر عبر المفردات، ولهذا كانت معلمة اللغة العربية "أستاذة سكينة ـ سودانية" توكل إلي مهمة تحضير الإذاعة المدرسية رأس كل أسبوع، مانحةً إياي جميع الصلاحيات الفنية والأدبية وترعرت على منصة الإذاعة المدرسية، أتشرب خمرة الأدب حتى وصلت إلى إدمان رائحة الحبر ونكهة الورق،نشأت وأنا أرى الكتابة من أرقى المهن التي عرفها التاريخ لأنها تخلد وجودنا بعد أن تصبح أناملنا رفاتاً غائباً في مسام القبور، أرى أن الكاتب إنسان موهوب جداً لأنه يستطيع أن يصهر مشاعر الآخرين في بوتقة روحه حين تمتزج أحاسيسهم بأحاسيسه وتصبح رغبة التعبير عن المحيط مشترك وطريقة التفاعل معه واحدة.
وأراهُ يحمل مسؤولية البوح عن مكنون هذا الكائن العملاق الذي تضج زوايا نفسه بالجمال والتأمل والقدرة على حياكة الحروف وصياغة المعاني ونسج المفردات، أراهُ أكثر الناس جدارةٌ بالاحترام والتوقير بعد مهنة الطبيب التي يستحق صاحبها كل إجلال إذاً جاد تلمس أوجاع الناس وحاول جاهداً تخليصهم من الألم.
عشت مفتونة بهذا العالم الرائع الذي ألبسني ثوب الوقار وجعلني أرفل به راغبة وراهبة! وكنت أظن أن من الطبيعي أن يكون للكتاب وسط ثقافي راقي غني بالفعاليات الأدبية والأنشطة الثقافية المختلفة التي تحتفي بناء ونتحفي بها تحت ظلال القلم النظيف الذي يبني العقول وينور المدارك ويمنح الفرصة لمن تلبسته روح الكتابة وأضحى أسيراً لها بالولوج إلى عالمها الرائع، المفهم بالخيال، لكن الأمر لم يكن كما ظننت بل إنهُ العكس تماماً مما كنت أظن، فالمثقفون يكادون يكونوا في الدرك الأسفل من الرعاية الحكومية، هم من أفقر الناس وأكثرهم معاناةً من لامبالاة، شاملة تختص المفكرين والمثقفين بالنصيب الأكبر من التعنت والبطش والتنكيل، والنتيجة أن أصبح المثقف اليمني ذبيحاً على شفر المفردات الحرة التي حرمتها إرادة السماء من أن يصبح لها أجنحة، وكسيراً على عصى الحقيقة التي يحاول الكبار إخفاؤها، وطريداً في صحراء المحسوبيات التي تعلي وتخفض من تشاء بغير حساب! المثقفات لسن أحسن حالاً من نسختهن المذكرة بل إنهن يعانين أيضاً من نظرة القصور الأنثوي والأخلاقي وكأن المرأة الكاتبة خلعت لثام الحياء وحجاب الدين وأصبحت جاهزة لأن تكون أنثى تحت الطلب!
المثقفات بنات عائلات وأمهات فاضلات ومعلمات تشذيب أطراف المعاني وتلميعها وطلاؤها بألوان الفرح، المثقفون والمثقفات في هذا الوطن مقيدون بسلاسل الاستغلال الفكري زهيد الثمن حيث لا قانون يحمي ثرواتنا الفكرية ويحترم إنتاجنا العقلي، نحن ضحايا سياسيات ليس من مصلحتها إبقاء أي إثر لأدوات كشف الجريمة التي تسعى جاهدة لطمس أدلة وقوعها!..
ألطاف الأهدل
مثقفون ومثقفات 1997