تخليص العالم من الأشرار لا يحتاج إلى استخدام العنف بل هو بحاجة ماسة لإلغاء العنف! وحتى يحدث ذلك لا بد أن تتوفر هناك أطراف للحوار فحتى الحرب بحاجة إلى حوار وحتى العنف بحاجة إلى استخدام قرار أقوى منه!
في العالم توجه قوي نحو دائرة العنف وللأسف هناك قوة دافعة تدعم هذا التوجه وتغذية وتمنحه فرصة الظهور وتعطيه أحقية التمكن والاستيطان ولعل تلك القوة الدافعة لن تستفيد من حدوث الافشال بقدر استفادتها من دعوة التدخل الذاتية والمزدوجة والعابثة بمصائر الآخرين لا لشيء إلا فساداً في الأرض وحرصاً على البقاء في أعلى السلم السياسي الهش مهما بدت معالمه باعثة للبطش والتضليل.
هواة التسلق هؤلاء هم من يعيدون الشعوب إلى حالة الانتكاس القصوى بعد أن تستعيد عافيتها على الأقل في أضعف صورها التاريخية اللأمشرفة. اليوم نحن في اليمن أمام أصعب منعطف تاريخي حقيقي لم تره اليمن منذ عقود طويلة، حيث كانت تلك الأحداث في السابق مجرد تمهيد لصناعة دولة مستقلة بعد حكم أمامي سلاطيني استعماري عمل على تشريح البنية العرقية والدينية للمجتمع اليمني الواحد وسلب منها حقها في الانصهار والتوحد وارتداء الثوب المصيري الواحد شعباً وأرضاً وحكومة، لكن للأسف أن الفترة التي تلت تلك الثورات لم تعمل على تحقيق أهدافها ولم تعيد تشكيل بنية المجتمع وفق أسس وضوابط تؤصل مفهوم التوحد وتلغي مفاهيم الانشطار والانفصال التي تربى جيل بإكمله على ترسيخها بداخله.
وهنا يجب أن ننتبه ونتيقظ أن مصير المجتمع بل مصير الوطن بأكمله سينجز إلى ذات العقيدة السابقة إذا لم نركز على لم الشمل ومداواة الجراح وتوفير أقصى درجات الحماية لوحدة الإنسان والأرض اليمنية وإلا فإن الوضع المتفجر في بقاع مختلفة من البلاد سيتسبب في تحنيط الدعوة للسلام والتهدئة وضبط النفس والتغاضي عن الأحقاد التي زرعتها السياسة في طريق القدرة على التسييس وتبييض ورقة المستقبل باشراقات حكيمة تنقلنا من هذا النفق المظلم إلى مساحة بناء حقيقية يشارك فيها الجميع بكل ما أوتي من قوة منطق أو حرف أو مال! ومنهج تشريعي متطور.
اليوم لا يجب أن تبقى نظرة الاستهجان والاستخفاف قائمة بين شمال وجنوب، شرق وغرب، لأن هذا الشعب قد اغترف من نهر الجوع والألم غرفة كبيرة وواحدة سقت شرايين صنعاء وعدن في لحظة توحد إنساني مقدسة، لا يجب أن ينساها الجميع. ألا يكفينا انشطاراً وتفككاً؟! أليس من المشين بحق هذا الجيل أن يحدث هذا التمزق في عهده وهو جيل الانفتاح العالمي والتطبيع الثقافي وحرية الرأي واتخاذ القرار؟! أليس من المؤسف أن نهدم هذا الصرح الشامخ الذي كان يراه أجدادنا حلماً بعيداً أو أصحبنا نراه قريباً رؤيا العين؟ لماذا لا نتناسى ونتجاهل ونتغاضى ونعفو؟! أليس لدينا قدرة على العفو؟! لماذا لا نستشعر أننا (عيال اليوم) كما نقول في المثل البلدي؟! لماذا نصر على أن نبقى عيال الأمس القريب؟! وإذا كان في الأمر حيلة لماذا لا نقول نحن رجال اليوم ونعفو لماذا؟!!