لكل بداية نهاية ولكل أجل كتاب ولكل قصة عبرة ولكل أمة زمن يبدأ وينتهي في موعدٍ لا يتقدم ولا يتأخر، واليوم وبعد هذا التطور الاجتماعي الكبير بفعل مساحات سكانية هائلة، أصبح لكل نظام ولكل حكومة فترة زمنية أيضاً ربما حددتها الدساتير، لكنها لم تستطع تبني حدوثها على أرض الواقع، وبناءً على هذا التشريع الوضعي يأتي التزام القدر بفض الاشتباكات التي تعجز تلك التشريعات عن فضها!
ومن هنا نشأت فكرة الثورات لدى الإنسان المدني لأنها حركة سياسية اجتماعية ثقافية وايديولوجيه شاملة يؤدي حدوثها إلى تغيير متكامل في بنية المجتمع البشرية والاقتصادية والطبيعية أيضاً، حيث تتعدى تلك الثورات حدودها المحلية لتصل إلى ثورة إقليمية هادفة لتحرير الإنسان من عبودية القانون الغير منصف والأنظمة التي تحمي سريان هذا القانون على الضعفاء من بين البشر.
الثورات التي تنفجر غضباً لا يمكن أن تأتي من فراغ، فكما أن الزلازل والبراكين والفيضانات لا تحدث إلا بعد ارتفاع درجة الحرارة وضغط الطبقات على بعضها البعض فإن هذه النيران البشرية المندلعة اليوم عانت ضغطاً قانونياً وسياسياً وطبقياً كبيراً جداً جعلها تبرز كطفرة جينية فريدة اللون والطعم والمذاق عندما استطاعت أن ترد كيد الكائدين في نحورهم وتعيد تنظيم المعادلة السياسية برموزها الحقيقية ووزنها وفق رغبة الشعب في التغيير، لكن هذا التغيير الذي ينبغي أن نعطيه مدته الزمنية المحددة لا يسير بشكل عشوائي بل لا بد له من خطة دقيقة تنظم حدوثه وتتقصى حول إمكانية استمراره وفق وتيرةٍ واحدة حتى يصل إلى ذروة التشريع ليصبح الخروج عنه مخالفة تستحق العقاب.
يجب أن نمنح حكومتنا الجديدة فرصة إثبات الذات وحسن النوايا لأنه لا خيار آخر لإنجاح ثورتنا إلا بتحقيق المناخ الملائم لتمام نضجها، قد تبدأ الثورات وتنتهي شكلياً، لكن على أرض الواقع لا بد أن تبقى مستمرة بقوة، إذ أن الجميع يدرك أن للثورة مراحل تتمثل في إشهارها شعبياً وربما عسكرياً وهكذا خطوة خطوة حتى تصل إلى ثورة إلغاء الفساد من جذوره وحتى أطرافه المتدلية على جماجم البشر! ثورة الإصلاح المالي والإداري هي الثورة الحقيقية التي يجب أن تستمر لنصل إلى رؤية مستقبلية متكاملة ومشرقة تعلم الصغار الذين كانوا يتساءلون بالأمس عن معنى الثورة أن لهذه الحركة الاجتماعية السياسية الشاملة قدرة على إعادة صياغة المفهوم الحضاري للسلطة وفق ما يرى الشعب، وليس هذا فحسب بل إنها ستروضهم على صناعة وتكتيك الإرادة كما يرونها هم لا كما ترسمها تلك الأيدي الخفية السوداء خلف الستار، لكن وكما أسلفت يجب أن نعطي حكومتنا فرصة للعمل على تحقيق أهداف الثورة بهدوء لأن هذا المجتمع البشري مجتمع معقد يعيش موجات مختلفة من الآراء وردود الأفعال والتوجهات المختلفة، ومن الصعب أن يتم التغيير في فترة وجيزة كما يستعجل البعض إنما بالروية لرؤية والهدوء والالتفاف حول رغبة اجتثاث الفساد سنصل إلى ما نريد..