من الجميل أن أجد نفسي فجأة وقد ألقي القبض علي متلبسة بتهمة (كاتبة النُخبة) إذ لا شيء أروع من أن تكون متهماً بحبك للحق وهوسك باقتفاء أثره، مع أني أعلم تماماً أن تلك الـ(نُخبة) ليست على حق دائماً وأعلم أكثر أن الذين يسيرون حفاةً على الأرصفة هُم الـ(نخبة)التي أحبها وأقصد وجهتها وأشغل مساحة كبيرة من وقتي واهتمامي للحديث عن قضاياها، فما أروع أن تتعطر بتلك الأنفاس المعفرة بالسكينة في كل صباح وأنت تقصد سوق الحياة بحثاً عن نفسك، الصغار يطوفون حول الجوع كالبلابل التي كُممت أفواها والكبار يفتحون أفواههم لأطنان الطعام المستورد من أقاصي الأرض، لمعام صنعته السياسة ونكهته ببهُار البطش والإزدراء وقدمته على أطباق آدمية من جماجم البشر! ما الذي يمكن أن نكتبه عن نخبة آثمة اختارت أن تكون عنياً آسنة في طريق العطشى من أبناء السبيل؟! هل يجدي البكاء على القبور؟! هل تعود اللحظة إلى رحم الزمن؟! هل تثمر الأغصان إذا مات الشجر؟! هل ترتوي القيعان إن صمت المطر؟! أنا أفقه المعنى الذي لأجله يعيش طاغوت ويفنى عابد زاهد؟ الصالحون من البشر يذوبون في سواهم من الناس ولكن القادمين الآخرين من عالم الأنا يعيشون بمفردهم بعيداً عن قلوبهم ويا له من ثمن!.
أن يعيش الإنسان لغيره راضياً قانعاً هذا هو المعنى الدفين للسعادة، فإذا لم تمنحكم أموالكم ولا أولادكم ولا أزواجكم هذا المعنى أنصحكم برحلة سير على الأقدام في زحمة المتعبين والعاثرين من البشر، أنصحكم بالبحث عن تابوتٍ أنيق ودافئ تقضون فيه حياة برزخية هانئة! هذا التابوت ليس مصنوعاً من خشب التيك أو الزان، بل إنه من الطين الذي خلقنا منه وسنعود إليه، الأناقة والدفء في القبور لن يكون مستحيلاً إذا منحتم سواكم فرصة العيش والستر والعفاف!
مررت بأحد القصور الجميلة في محافظة عدن والذي كُلف بناؤه كذا مليون دولار وتساءلت في نفسي: لماذا يجب أن يسرق الكبار أقوات الصغار ليعيشوا في هذا الثراء الزائف؟! هؤلاء ليسوا ملوكاً ولن يكونوا كذلك في يوم من الأيام، هل تدرون لماذا؟! لأن الملك يعطي ولا يأخذ، الملك يشبع الناس ولا يجيعهم، يقيل عثراتهم ولا يعلمهم صنعة التسول! نعم أهوى الكتابة في أرقى أشكالها، لكنني أبسطها قدر استطاعتي، فالنخبة التي أعنيها هي نخبة البسطاء الذين يحسبهم الناس أغنياء من التعفف ولا نعرفهم إلا بسيماهم!..
ألطاف الأهدل
البسطاء هم النخبة 2036