في داخل كل إنسان منا نزعة ريفية تعشق العُشب وتهوى المشي خلف قطعان الماشية وتحب الجلوس تحت ظلال الأشجار في خلوة نفس مترنمة بهذا الهدوء الفتان.
في تعز لا أرى فرقاً كبيراً بين بادية بعيدة وحضر قريب بعد أن استرخت المدنية بجسدها الثقيل على مساحة شاسعة وبعد أن حبت البادية على ركبتيها متجهة نحو رائحة الحضارة في أبسط أشكالها!.. أمام منزلي في تعز تمر قطعان الماشية والجمال في تظاهرة حيوانية تنادي بإسقاط الحضارة التي جعلت الطوب والحديد والأسمنت يلتهم رقعة العُشب اللذيذة من على مائدتها الغنية بالكلأ!.
أحب جداً أن أراقب قطيع الأغنام يعبر الشارع برشاقة متناهية واتزان يفوق اتزان البشر عند العبور، أحب أن أتمتع بمنظر الجمال وهي تسير بأعناق مشرئبة نحو الأمام لا تنظر حتى لما دون أقدامها، أهوى هذا المزيج من البداوة والحضارة، لأنه يشعرني بالبساطة ويبعدني كثيراً عن جو التعقيد الذي امقته كثيراً.
يعجبني كلب الحراسة الذي يحلق حول قطعان الماشية بحرص شديد ويذكرني بالراعي الذي كان يجب أن يكون وفياً كهذا الكلب مع رعية تسير بالبركة في قطعان متداخلة نحو الضفة الأخرى للحياة!.
في مشهد فريد صورته ذاكرتي وفي إحدى المرات التي كنت أقف فيها أراقب هذا المشهد كل صباح، بدأ القطيع ببعض الأغنام التي توقفت فجأة في منتصف الطريق تماماً مسببة حالة إرباك للسيارات التي توقفت بدورها احتراماً لتلك الجميلة بُنية اللون التي لا تقول لا لثورة ولا يعنيها وجود النظام من عدمه!!.. فقط بعض العُشب والماء حتى ترتفع يد الجزار ذراعاً فوق الرقاب!.. في هذا المشهد وقفت تلك الأغنام في انتظار باقي القطيع، وحين أصبح الكل حاضراً عبر القطيع متبوعاً بكلب الحراسة، ومن هنا تعلمت أنا معنى جديداً من معاني (الوحدة) ولعلكم أيضاً تفعلون! إذ أن تلك الأغنام يعنيها أن تبقى ملتحمة بينما نصر نحن على تمزيق الشمل وتفكيك الأواصر وقطع الصلات، اليوم ننادي بالانفصال؟!!.. من وجهة نظري ليس من حق أحد أن ينادي بالانفصال وإذا أردنا الحسم في المسألة فنحن بحاجة إلى صندوق اقتراع آخر يقرر فيه اليمنيون مصير الوحدة بين مؤيد ومعارض لهذه الشائعة التي أفرزتها ألسُن قذرة لعقت السم طويلاً وهي تبصقه على الناس اليوم في أسوأ صورة وأقذر لون.
دائماً أتساءل: لماذا يبقي الإنسان عقله في (جراش) الجسد حتى يصدأ؟! لماذا لا يستخدمه كما تستخدم الحيوانات فطرتها؟.. اعذروني فقد مللت ولم أجد إلا أن أضرب مثلاً من سلوك الحيوان لعنا نفهم أنه ليس من حق أحد أن يتخذ قراراً شعبياً بمفرده..
ألطاف الأهدل
وحدة الوطن ليست قراراً فردياً 1888