أعترف أنني مؤمنة بحرمة الأغاني التي تدخل الموسيقى في تركيبها الصوتي، لكن المشكلة الكبرى أن الموسيقى أحياناً تبرز كلمات الأغنية الأكثر فجوراً لتجعلها أكثر حرمة وأكبر خطراً على حواس الناس، خاصة أصحاب القلوب الضعيفة الذين لا يمنحون عقولهم فرصة تأمل حقيقة هذه الأغاني وأنها كذب×كذب.. فالشاعر يكتب الأغنية أو القصيدة بغواية عن صوت ضميره "والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم ترَ أنهم في كل وادٍ يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون" سورة الشعراء.
يأتي بعد هذا دور الملحن الذي يسبح إلى عالم الكذب عبر زورق النغم، مجدفاً بأوتاره، بعيداً عن صوت الحق والعدل، لينسج من تلك الكمات والألحان موجة مدٍ وجزر تأخذ بألباب الناس الذين يجهلون أن الموسيقى صوت الشيطان "واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك..."الإسراء.
الآن تدخل الأغاني إلى القلوب دون رقيب لدرجة أن يقسم كل شخص أن هذه الأغنية أو تلك نسجت بحروف هواه وخيطت بمفردات قصته وأنها تتحدث عما يعاني من شجون، ليصل أحدهم حد البكاء عند سماعه أغاني الحب التي تلهب الفؤاد وتحرق الحشا وتبعثر الحواس وتوقظ الرغبات النائمة بسلام في مخادعها.
وبالرغم من حرمة الطرب بألوانه وأشكاله، ماضيه وحاضره، إلا أن طرب اليوم شيء آخر وحدث ولا حرج، لأنه دعوة صريحة للرذيلة بتلك الصور المبتذلة للمطربات أو بطلات الفيديو كليب، ولو كان فناً صحيحاً ما دخل حجرات النوم ولا عبث بثياب النساء والرجال.
فنانات الأمس كن يقفن خلف الميكرفون بوقار، مرتديات ثياباً أنيقة تضج بالأنوثة، يغنين قصائد لشعراء مخضرمين وإن كان كل ما فعلوه هباءً منثوراً في ميزان السماء، إلا أنهن لم يعبثن بخواصر الناس كما صنعت مطربات اليوم، بل إن إحداهن أو أحدهم من أهل الفن كما يقولون يغيرون من سحنتهم على الدوام تحت مسمى "نيولوك"، حتى لا يمل أصحاب الهوى طلاتهم المتكررة والمملة والتي تفتقد للكلمات الراقية والمفردات المعبرة عما يختلج في نفس الإنسان من أحاسيس تجاه كل شيء من حوله، سواء كان حياً أو جماداً، فمشاعر الإنسان غنية بالحب تجاه كل شيء في الحياة، وما حب البشر لبعضهم البعض إلا ليؤدم بينهم تحت أسقف بيوتهم.. لكن الأصل أن الإنسان يحب خالقه ورسل ربه ودينه ووطنه وبيئته وعمله ومنزله وأطفاله وأصدقاءه وكل ما حوله، ولولا وجود هذا الحب والارتباط بين الإنسان وبين محيطه ما استطاع الإنسان أن يعيش مطلقاً بخياله مسترسلاً في مشاعره.
نعم تأسرنا أحياناً قصائد مغناة، لكنها تكون محتشمة وراقية ووقورة لم تنزع الستار عن سوءاتها أبداً.
ألطاف الأهدل
وقفة مع الطرب!! 2124