(1) دروس إيمانية من سورة البقرة
في كل أية من آيات القران الكريم معجزة إلهية لا يعلم مدى عمقها إلا خالق السماوات والأرض الكبير المتعال، وحين نعرج إلى إحدى السور القرآنية سواء كانت صغيرة أو كبيرة وسواءً كانت مكية أو مدنية نجدها تتحدث بشكل شمولي راقٍ جداً، جمع من حلاوة اللغة وبلاغة المعاني ووضوح التوجيه ما لا يمكن التعبير عنه بكلمات.
وبالتأمل العميق يتضح لنا أن سور القرآن الكريم مجتمعة تسير في سياق توجيهي تربوي إنساني رفيع المستوى، يتنقل بعمق وبساطة بين قواعد وأهداف واضحة لا يمكن أن تغفل عن تقييم سلوك الإنسان وفق منهج تشريعي واضح وصريح إلى أبعد الحدود.
في سورة البقرة مثلاً تدرج رائع في عرض الصور والمشاهد المعبرة عن سلوك الإنسان الكافر والمؤمن في حالتها الفردية أو الجماعية ومضاف إليها سيناريوهات نصية بليغة تصف لغة الخطاب بين الأنبياء وأقوامهم.. تبدأ السورة بإشارات تصف عقلية الكافر وعجزه عن استيعاب هذا الزخم الرباني المحيط به من كل جانب وتستعرض بشكل دقيق مستوى التعنت الذي وصلوا إليه في موقفهم من وحدانية الخالق عزوجل، وتستعين لغة القرآن الربانية بضرب الأمثال المدهشة دقة وتحليلاً وتفصيلاً وشرحاً لترجمة هذا السلوك أو ذاك.
ثم لا يخلو خطاب الترهيب من وقفة أو وقفات ترغيب تدل على سعة رحمة الخالق وحبه لعباده وتذكيره إياهم بحقيقة الخلق والبعث والنشور (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يُحييكم ثم إليه ترجعون).
أنظر لروعة هذا التساؤل الصادر ممن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، الذي وحده هو من يسأل عمّا يعلم، و(كيف) هنا قد لا تعني الآلية أو التبرير بقدر ما تعني التذكير بضعف الأسباب والمسببات لحدوث الكفر رغم وجود مساحة النعم التي لا تحدها حدود ولا تقف أمامها حواجز..
بعدها تبدأ قصة الخلق العظيمة بتلك الألفاظ القرآنية السلسة، المنطلقة بمنتهى الروعة نحو تأصيل فكرة الوجود الإنساني الذي يدحض فكرة تطور الإنسان من قرد إلى بشر عاقل معتمدين على قصة أصحاب السبت في تناقض فكري كبير حول الإيمان بمصداقية القرآن الكريم أو متحدين حول فكرة التشابه السلوكي المنتظم بين القرد والإنسان، لكن سلوك القرد يبقى تصويراً حياً لقدرة الله على الخلق أكثر مما يدل على قدرة هذا الحيوان على المحاكاة الخارجة عن الإدراك.. ثم يتواصل السياق الرائع ليصف تعاليم الخالق المنزلة على بني إسرائيل وهذا الخطاب يؤثر في النفس المؤمنة أكبر تأثير، كونه خطاباً تذكيرياً محفوفاً بالرحمات والعظات والدعوات الصادقة إلى السير على الصراط المستقيم مروراً على خطاب نبوي بين موسى وقومه من بني إسرائيل، تظهر بجلاء ذلك الحجم من الصلف اليهودي المبني على الكبرياء والاستعلاء والإفساد في الأرض واستبدالهم ما هو أدنى بالذي هو خير وقتلهم أنبياء الله بغير حق، في إظهار واضح للعداوة المبطنة بالكفر والجحود وهذا ما تسردهُ الآيات من 67-73 في قصة البقرة التي سُميت السورة باسمها والتي انتهى سياقها أيضاً بثبات اليهود على موقفهم في قسوة قلب واضحة يعجز الصخر أمامها عن التماسك وكل ذلك يحدث بعلمٍ من الله وحِلمٍ كبير.
ألطاف الأهدل
إشارات قرآنية 1807