يعتقد البعض أن الإنسان لا يستطيع أن يؤجل عواطفه ويغلف مشاعره بالصبر ويؤطر علاقاته العاطفية بالانتظار والروية، بل إن العكس هو الصحيح فمشاعر الحب تحديداً يمكن تأجيل عملها وتحديد استخدامها وتوفيرها في صناديق الروح التي لا يعلم ما بداخلها إلا الله، نعم يستطيع الإنسان أن يفعل ذلك حين يكون قلبه خالٍ من مساحة الفرح والمتعة، مملؤاً بالذكريات التي لا تستطيع سلة المهملات الإنسانية استيعابها أبداً، مشحون بمشاعر أكبر وأرقى وأرق وأسمى من مشاعر الحب التي تكون حواس الجسد مفتاحاً لها.
أتحدث عن عواطف عاقلة ومدركة وقادرة على الاستمرار مهما كانت ردود أفعال الآخرين تجاهها قاسيةً ومجحفة وداعية للمراراة والتخفي، عن قلوب لا تمر رياح الحب من ثقوبها فتحدثُ صفيراً مفزعاً ولا ترتادها هبات الجنون الساخنة فتحرق ما تبقى من حواشيها المدهقة فتنة وجمالاً..
أتحدث عن حالة جمود عاطفي إرادية مفتعلة يُجريها الإنسان ذاتياً بمنتهى القناعة كعملية جراحية سريعة وناجحة لتأجيل تدفق العاطفة الغريزية في عروقها، إنها عملية فرملة إن شتئم، أو عملية فرمته إن أحببتم التسمية.. والآن ليقم الجميع بهذا الاختبار الذاتي البسيط ليكتشف بسهولة أنهُ يستطيع أن يتحكم في عواطفه ويوقف جريانها عبر شرايينه.
أغمضوا أعينكم وتمددوا بشكل طولي لتحقيق الاسترخاء الكامل ثم تخيلوا أنكم تجلسون على أريكة مريحة بلون البنفسج وأن جدران هذه الغرفة ملونة بذات اللون، باقات متدرجة الألوان من الأزهار تحيط بكم وبعض الفراشات الجميلة مثبتة على جدران الغرفة.. تخيلوا أن مشاعركم يُمكن أن تُلمس، ها أنتم ذا تمسكونها بأيديكم، شيء شفاف جداً يشبهُ أشرطة بنفسجية من قماش الساتان، ها أنتم تحاولون لفّها.. ها أنتم انتهيتم من طيها ووضعتموها في جيوبكم، ثم ها أنتم تغادرون حُجرة الحب البنفسجية وتتركون الأريكة والجدران ذات اللون النرجسي العاطفي الجميل وتخرجون مباشرةً إلى حيث أنتم الآن، مشاعركم الآن مطوية ومحفوظة حتى إشعار آخر وهي ليست قابلة للعبث مطلقاً، تفتحون أعينكم الآن والكل يهتف في نفسه: نعم أستطيع، نعم أستطيع، مادامت الشمس تدفئ البشر وسنابل الحقول تطعم الناس جميعاً وحشائش الأرض تُشبع الجنادب والخنافس وتزود طوابير النمل بمؤونة الشتاء.. ما دامت الأرض تدور والأشجار سامقةً وقوافل السحاب تسير نحو الشمال دون أقدام تحيط بعضها بعضاً بمنتهى الحب.. ما دام الكون فسيحاً وطرق الدنيا واسعة والفراشات تجوب أصقاع الدنيا ضمن عائلات ضخمة متماسكة.. ستكون مشاعرنا بخير هناك حيث حفظناها قريباً من نموٍِ لنا وبعيداً بعض الشيء عن قلوب يجب أن تتعلم كيف تستيقظ وتنام على أسرة صدورنا وحيدةً دون وليف..
ألطاف الأهدل
ممنوع الحب قطعياً! 2056