أربع سنوات هي عمر انطلاقتي الصحفية وليس الفكرية، فترة زمنية قصيرة، لكنها علمتني دروساً لم اتعلمها طوال سنوات مضت وأنا أقرأ وأكتب وأعيش بين أوراقي وأقلامي وفرشاتي وألواني كسائحة تسجل وتصور مآثر الزمان والمكان على أمل أن أغادر الحياة وقد تركت خلفي أثراً طيباً يذكره الناس بخير، افترشت الحيرة ليالٍ طويلة وأنا أبحث عن ذاتي في ركامٍ من البشر ينظر للمرأة الكاتبة نظرة استصغار وريبة وكأن الكاتبة حين تكتب عن الحب تدعو إلى الرذيلة وحين تتلكم عن الرجل تفقد الفضيلة وحين تدعو إلى الرفق بالنساء والأطفال والأوطان ترتدي ثوب الحيلة، كأن الحب لا يعني إلا إيقاظ الحواس النائمة وكأن الرجل مخلوق محاط بأسلاك شائكة، وكأن المرأة جسد فقط والأطفال مجرد لعبة والأوطان أرضنٍ مترامية الأطراف لا يسكنها بشر ولا تنظم الحياة فيها قوانين.
أربع سنوات مضت وأنا أحلق بجناحين ورقيين وقرون استشعار معبأة بالخبر وقلب يعيش أحلام الناس وطموحاتهم ومزيج متفرد من مشاعرهم المتقلبة كطقس هذه المدينة الحالمة التي عشقتها وأنا مولودة على شاطئ الحبيبة عدن، أربع سنوات أثبت لي بالتجربة أن المثقفين هنا ومع كل أسف هم أعداء المرأة يحومون حول أخلاقها، يساومون فيها فكرها ووعيها، يتأبطون نعالهم للطواف حول كرامتها، يصولون ويجولون بأكاذيبهم وتزييفهم للحقائق من رصيف إلى (مقيل) إلى رسائل كانت كفيلة بإعطائي فكرةً موجزة عن عالم الذئاب الراقية التي تتحدث لغات العالم مجتمعة لكنها لا تجيد التحدث بلغة العفة والشرف!.. لا زلت أسال نفسي ما الذي يجنيه هؤلاء من العبث بأغراض المثقفات وأقصد بالمثقفات تلك النخبة المحافظة الراقية التي تحترم أقلامها وتقدس التزامها الأخلاقي وتهوى تقديم نفسها للمجتمع بشكل لائق يحفهُ البذخ المعنوي والترف الحسي بحيث تكون البصمة أقوى وأوضح على وجه هذا المجتمع غريب الأطوار ما يثير حفيظتي للحديث مراراً عن هذا الأمر استخدام البعض لوسائل الاتصال والتواصل الخاصة بنا استخداماً دنيئاً فلا نكاد نفتح هواتفنا كل صباح إلا ويأتي شيطانها مكالمات فائتة ورسائل مغلقة لا حصر لها تبدأ بالسلام تنتهي بأسوأ الكلام! أيتها الذئاب الأنيقة، تلك البزات التي ترتدونها قد تخفي عورات أجسادكم، لكنها لن تفلح في اخفاء عورة عقولكم! فلا تلهثوا خلف أمهات وزوجات وفتيات مكافحات شاءت لهن أقدارهن أن يُجدن صنع المفردات على نار مشاعرهن الراقية، أحدنا قد يصل عمر أكبر أبنائها إلى عمر أحدكم فلا ترغمونا على بصق ألفاظنا في وجوهكم.. نحن لا نملك الوقاحة ولا نجيد تعلمها، اتركوا لنا فرصة التعبير عن حاجتنا الاجتماعية لعقلية نسائية راقية لا تستخدم سنارة الحروف لإصطياد المشاعر العارية ولا تحاول البعث بعقول الجيل لفرض ثقافةٍ هابطة، أربع سنوات مضت تغاضيت فيها عن كثير مما سمعت ورأيت ولا زلت أسأل: من أين لنا بوزير إعلام ووزير ثقافة يعطيان للمرأة المثقفة الملتزمة إشارة عبور أخضر إلى عالم الإبداع الخلاق؟! ترى هل تستطيع الوزارة الجديدة أن تفعل ذلك؟! وإذا لم تستطع أن تفعل ذلك فلماذا إذاً ثار الناس حتى أكل الموت بعضهم وترك الآخرين يموج بعضهم في بعض؟!!.
ألطاف الأهدل
نريد وسطاً ثقافياً راقياً 2116