يقال علمياً أن الحواس يمكن أن تتداخل عند بعض الأشخاص فيشعر بمذاق اللون الأحمر، مثلاً حين يكون الشخص قد جمع بين حاستي النظر والتذوق ويطرب لسماع الصبر حين يكون قد جمع بين حاستي السمع والإحساس الفطري بوجود أشياء غريبة من حوله، وهذا قمة الإبداع الرباني في صنعة الإنسان الراقية شكلاً ومضموناً، فهذا التداخل الغريب بين حواس الإنسان ومحيطه الطبيعي يدل على شفافية متناهية وذوبان متكامل وانصهار لا حدود له بين الإنسان وذاته ومحيطه ولقد جربت ذلك ولم أكن أصدق أن يحدث هذا التداخل في عمل الحواس بهذا الرقي إلا عندما سمعت الحقيقة العلمية واضحة في برنامج علمي مصور عن (دماغ آينشتاين) والذي أصدرته مجلة (إنترن نشيونال جرافيك) في عدد (13) الصادر في أكتوبر 2011م.. لقد جربت الأمر فعلاً حين تتداخل لدي حاسة السمع والتذوق وهذا يحدث حين استمع لقصيدة من الشعر يسيل على إثرها اللعاب فعلاً وأشعر أنني أتذوق الكلمات وأن لها طعماً رائعاً لا يمكن وصفه ولهول روعة المفردات التعبيرية أعجز عن حفظ ولو بيت واحد، لكني أكون أكاد أطير من السعادة خاصة حين تزيد رشة السكر على القصيدة باختيار لحن جميل ومطرب مخضرم يستحق الاحترام فيغنيها دون إضافات سافرة.. وأتذكر أنني ذات مرة سمعت قصيدة نبطية للشاعر الخليجي حامد زيد ولفرط انسجامي وتعايشي مع كلماتها كدت أتحسس قطع السكر المتناهية في الصغر على أطراف لساني!.. وإذاً فحواسنا يمكن أن تتداخل بفعل قوة التصوير والتصور التي يمكن أن تميز البعض منا ممن يستخدمون عقولهم باسترسال وإسهاب يسلبهم القدرة على السيطرة.. وفي صورة أخرى من صور التداخل الحسي وجدتني ذات مرةٍ وأنا أقرأ سورة القصص أدخل عالماً غريباً جداً يختلف عن هذا العالم الذي نحن فيه لشدة روحانيته وبساطته ولكم شعرت بالبرد الشديد حينها وأنا أفعل ما فعلت في ليلة صيف ساخنة!.. حواسنا تستطيع إدراك بعض الأشياء والأحداث التي لا وجود لها في الواقع وهذا كله بتسخير من الرحمن الرحيم الذي يريد أن نعي تلك الرسائل فنقترب إليه ونشتاق إلى معيته والخروج من عالم الماديات هذا إلى عالم النقاء والطهارة والسعادة التي تنضج بها حواس المرء حين يكن إناء روحه مترفاً بالإيمان. ولعل بعضنا سمع أو قرأ عن شفافية بعض الأشخاص الذين يسمعون ويرون ويشعرون بما لا ستطيع سواهم أن يدركوه ولو كانوا يجلسون إلى جوارهم على أريكةٍ واحدة وقد كانت الجدات فيما مضى يتحفظن عن الحديث فيما يرين أو يشعرن أو يسمعن لاعتقادهن أنها كرامة يهبها الله لعباده الصالحين فقط وفي الأمر كثير من الصحة بالرغم من أنه شيء آخر غير تداخل الحواس الذي ذكرت، لكنني أدرجته هنا لإيماني أن لحواس الإنسان قدرات باطنة غير تلك الظاهرة التي يتمتع بها الجميع، فلربما كانت هذه الحواس سبباً في توبة أو صمت أبدي أو قوة إرادة.. فالمهم أن لهذه الحواس وظائف لا يعرفها كثيرون منا..
ألطاف الأهدل
تداخل الحواس 2477