سورة النساء دستور نسائي كامل الأحكام ومتكامل الحقوق وواضح الواجبات، سورة التقوى والمراقبة، سورة الاستحقاق، والنسائي الذي لا تشوبه نقائص الحضارة وأساليبها البالية في إخراج المرأة من جلباب الستر والاحتشام والرُقي الحقيقي إلى مستنقع السفور المادي والمعنوي تحت شعارات حيوانية براقة تمضغ حقوق المرأة على نكهة الأنوثة الكاذبة، سورة التسوية الإنسانية بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، سورة البر باليتيم والتقسيم الفقهي للتركة والحض على حفظ الحدود من التعدي والانتهاك.
تبدأ السورة بأمر جازم من لدن ملك الملوك للناس أجمعين صغيرهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم، حاضرهم وغائبهم، عاصيهم وطائعهم بالتقوى لله لأنه يملك عليهم حق الرقابة والإطلاع، ثم تسترسل الآيات مستعرضه حق اليتم على أصحاب الوصاية، داعية إلى الالتفات بقوة إلى حق الأبناء في الميراث الشرعي سواءً كانوا ذكوراً أم أناثاً وعلى كل من يجهل أحكام الميراث أن يتصفح بعمق سورة النساء ويتمعن في أحكامها، لأنها سورة الفرائض الإهية الواضحة لكل تفاصيل الميراث الغامضة.
تصل الآيات بزخمها التشريعي إلى آية العقاب الرادع لكل من سولت لها نفسها ارتكاب الفاحشة والسبيل إلى استتابتها بالإمساك عليها حتى يجعل الله لها سبيلاً.. حتى جعل سبيلاً في سورة النور بالجلد مائة جلدة للبكر والرجم للثيب المحصن ثم يختتم الوجه الرابع من السورة بآية المعاشرة بالمعروف من قبل الرجال لنسائهن مع توثيق المعاشرة بحسن القصد منها حباً وكرهاً، فعسى أن يكره الزوج زوجته ويجعل الله له منها خيراً كان يجهله.
في آيات ربانية رائعة تأتي آيات العدل في أمر القلب عند تعدد النساء وأن للمرأة حقاً فيما أخذت أو أعطت لزوجها تحت سقف من العهود والمواثيق بين الزوجين لا ينبغي لأحدهما أن ينكثها على غفلةٍ من الآخر! يلي ذلك تصريح واضح بمن يحرمن على الرجل من النساء اللآتي تربين في حجورهم صغيراً أو كبيراً في أية عظيمة تسوق نساء البيوت سوقاً إلى الرفعة والنزاهة والشرف، ثم تدمغها خاتمة تذكيرية بأن الله هو الغفور الرحيم وأنه مريد للهداية والتوبة لعباده وهو عليم بما يناسب فطرتهم وحيكم في إصدار ما يعينهم على إتباع طريقه المستقيم.
تتولى آيات النهي عن أكل أموال الناس بالباطل ويتبعها توضيح لنوع العقاب الذي ينتظر كل من يفرط في تلك الأحكام التي تناولتها الآيات حرصاً على الإنسان من اتباع الشهوات والميل كما فعل ذلك من سبق من الأقوام الغابرة.
حين أصل بالقراءة إلى آية القوامة (الرجال قوامون على النساء..) أحمد الله كثيراً أنه لم يترك لنا كبشر فرصة للعصيان وتمييع الحقوق وتجاهل القدرات والتنصل عن الواجبات.. تأملوا معي آية (وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليهما) يا الله كم أنت رحيم حليم بعبادك، يا الله كم أنت واسع ومطلع وستار للعيوب والدنايا والآثام التي يقترفها عبيدك العاصون، يالله كم أنت روؤف حين تسألنا عن ما أنت أعلم به منا، ماذا علينا، ماذا سيصيبنا ما الذي سنخسره لو أننا آمنا وأنفقنا مما أنعم الله به علينا؟!.
تأملوا معي أيضاً أية (20) (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً) منتهى العدل والكرم من إلهٍ مقتدر يغفر لمن اعتذر ويجزي من شكر.
ألطاف الأهدل
إشارات قرآنية.. سورة النساء وحقوق المرأة 2652