إذا تأملنا ما يحدث في الوطن من أحداث قاسية ومريرة وتدعو للذهول وفرض حالة من الإحباط تغلق حواس الجسد الظاهرة والباطنة - نجد أن حالة الاكتئاب التي أصابت الشعب لم تصبه من فراغ أبداً، لعب الدور الأكبر في حدوث تلك الحالة مركزية سياسية فشلت في توزيع مهامها على أذيالها وأجنحتها وأصحاب المخدومية فيها، إذ يفشل المرء إلى هذه اللحظة في شرح وتوضيح أو حتى فهم واستيعاب هوة ساحقة بين قمة لولبية وقاعدة هرمية لا تكادا تؤديان دورهما النمطي المتاح على أجندة الحكومة المتعالية والشعب المتهالك تواضعاً.
لدينا طوفان كراهية يكاد يجرف الوطن إلى هاوية التشطير، ولدينا حركات ديموجرافية داخلية وخارجية لا أهداف لها سوى تجريد البناء الاجتماعي والسياسي في الوطن من ثوب الأمن والوحدة والاستقرار، لتلبسه ثوب الخوف و الجوع ونقص الأموال والثروات...
الصورة غير واضحة وتبادل الأدوار لم يكن مدروساً بما يكفي ولا تكاد تخلو ذمة الجميع من بعض المسؤولية إن لم يكن كاملها سواءً كان فرداً من الشعب أو عضواً في حكومة أو رمزاً في دولة.. الكل أصبح مسؤولاً بعد أن تكشفت حقائق التحزب وأصبحت صناعة الأحزاب حرفة جديدة في اليمن بلد المليون حرفة، وإذاً فالجميع سيبحث عن أدوات تجعل تلك الصناعة متطورة تمهيداً لعرضها على أسواق السياسة التي تبتاع وتشتري في أرواح الضعفاء وذمم الأقوياء، وربما كانت تلك الأدوات حادة فتخدش وتقطع وتقسم وتبتر وتزهق وتقتل، ربما كانت تلك الأدوات مستوردة حتى تكون أقوى بطشاً وأحد فتكاً، وربما كانت محلية حتى وإن لم تحسن الذبح إلا أنها وفي النهاية تفصل الروح عن الجسد، وهذا ما يستخدمه أصحاب مهنة التحزب التي تعتمد مادتها الخام على تراث فكري محلي مبني على خيبة الأمل وانعدام الثقة في حكومات خلت من قبلها حكومات ولا زال الوضع متداعياً، قلقاً، بعيداً عن مركز الدائرة الاجتماعية وقريباً جداً من أقطارها الخارجة عن حدود الوطن.
صناعة الأحزاب بدأت تحت مظلة ديمقراطية ودستور تشريعي وقانون نصي يحمي وجودها، لكنها اليوم تترعرع في ظل جموح دكتاتوري متعصب تشوبه موجة تطرف خبيثة وغبية ولا تحتكم للدين القويم.
حتى التحزب صار له فنون وقواعد وأسس قد تلغي أو تحل محل الكثير من المبادئ والقيم ومحاسن الأخلاق في رحلة بحث عن مناصب أو ألقاب أو مسميات صفراء مريضة لا تندرج تحت مسمى الوطنية مهما ارتدت لأجل ذلك أقوى الأقنعة التصاقاً بالوجوه.
أصبحنا سوقاً سوداء للأحزاب والحزبية والمتحزبين من جميع الأطياف، حتى الذين كانوا يرون الأحزاب عورة للديمقراطية أصبحوا لا يخشون انكشاف عوراتهم، فهل سيكون مطلوباً من الثورة أيضاً أن تستر هكذا عورات؟!.
ألطاف الأهدل
بلد المليون حزب!! 2146