في زيارة لأحد مراكز التبرع بالدم وجه إليّ الطبيب المختص السؤال التالي: هل تعلمين يا أستاذة أن الأدوية المدعومة من قبل الدولة والمخصصة لأمراض السرطان يتم تهريبها إلى خارج الوطن؟! وأصابني السؤال بصاعقة وقعت على رأسي وأنا التي كنت أنتظر إجابة من ذلك الطبيب على سؤال: لماذا لا يتم المساهمة من قبل الأطباء بإنعاش مراكز أمراض الدم بتقديم الجرعات الخاصة بالسرطان مجاناً؟.. والمقصود بتفعيل الجرعة مجاناً في عيادة الطبيب بدلاً من دفع مالا يقل عن ستة آلاف ريال كثمن التفعيل داخل الجسم عن طريق الحقن، هذا عدا قيمة الجرعة التي تتجاوز مائتين ألف ريال.
حين صعقني الطبيب بذلك السؤال كدت أثور على مقعدي كبركان بعد شعوري باللاإنسانية من قبل أولئك الذين سمحت لهم ضمائرهم المحقونة بالشر أن يتاجروا ببلسم الأطفال وإكسير الحياة بالنسبة لهم.. لماذا اعتدنا أن نستغل أزماتنا بهذا الشكل المجحف والمهين لإنسانيتنا؟ لماذا نرضى لأنفسنا أن نأكل من أطباق مصائب الآخرين ونسقي أوردتنا من دموع معاناتهم؟! كيف نجرؤ على سرقة لحظة العافية الملغومة باهظة الثمن التي تتغشى هؤلاء ثواني معدودات؟ متى تموت تلك الوحوش البشرية في أعماقنا؟! متى نتيقن أن لحظة الموت تأتي على حين غفلة وأن القبور التي تؤوي أجسادنا لا تطبق عليها قوانين الحصانة والوصاية والقرارات الدبلوماسية؟.
في الحقيقة لا مجال لاستعراض النوايا على صفحات الصحف، لكني أدعو كل من كان له قلب من لحم ودم أن يتفضل بزيارة خاطفة بمفرده بينه وبين ربه لمراكز الأورام السرطانية والتبرع بالدم، راعوا معاناة هؤلاء بالمشاركة الوجدانية، أكرموهم ببعض الإنسانية، تفضلوا على أنفسكم قبل أن تتفضلوا عليهم بشيء من العطاء الروحي، حاوروا معاناتهم، امسحوا على أجسادهم بلمسة العافية.
هؤلاء أيها السادة أطفال ألقت بهم أقدارهم على أسرّة المرض رغماً عنهم، وحبست الأوجاع حريتهم عنوة، واسترهبتهم الآلام حتى رأوها عياناً كما يرى الناس وجوههم في أعين من يحبون.
هؤلاء الصغار لا يدركون الحياة من حولهم إلا كلعبة تتحرك وفق إيقاع بريء، يبدأ وينتهي، يظهر ويخبو، يرتفع ويخفت مع أنفاسهم الملتهبة بحمى المرض، ترى الموت جهاراً نهاراً أمامك، في أعين تدور في الأحداق بحيرة الخائف وجبن الهارب، في أفواه فاغرة كالقبور، وحياة تمطر الحمى كسحاب الصيف.
في وجوه هؤلاء قد تجدون الأنات تعيش في كنف أخواتها وقد تلمسون الآهات ترقد طريحة في أحضان أمهاتها، إنه لشقاء ما بعده شقاء أن يكون شريان الدم الذي يغذي جسدك بكل معاني الحياة هو ذاته من يملي عليك رويداً رويـداً أبجدية الموت دون استعداد منك لتلقي ترنيمة الاحتضار الأخير.
الحياة قصيرة وإن لم تفعلوا ذلك بزيارتهم اليوم، فلن تفعلوا ذلك غداً وقد قيدتكم أغلال منكر ونكير.
ألطاف الأهدل
افعلوها ولو مرة 2014