يشعر المرء منا بالقزامة أمام هؤلاء الشباب الذين تحدوا صعوبة الوقوف في زاوية الصمت وانتظار رياح القدر ونزلوا إلى ساحة التعبير عن الرأي بمنتهى الجدية والصدق لله ثم للوطن قبل كل شيء ونشر الوعي بخطورة الفساد وبقائه جاثماً على إدارات الدولة، من أهم المسؤوليات التي يتبناها هؤلاء الشباب والتي يتمنون من رئاسة الوزراء الجديدة أخذها بعين الاعتبار قبل أي إصلاحات إدارية أخرى.
الفساد هو آفة الشعوب لأنه بداية للسرقة والقتل واحتراف الجريمة وانهيار بنية المجمعات وعلينا أن نبدأ منذ اليوم بمحاربة هذا المرض العضال كل من موقعه، لكن التعليم خاصة من أكثر المرافق التي تحتاج إلى محاربة الفساد علناً وسراً، إذ أن عدم الإخلاص في العمل وتسييس المعلمين والمعلمات وجر الطلبة والطالبات إلى الدخول في سياسة استقراء الواقع من زاوية واحدة واستخدام عائدات التعليم لتعميم الجهل.. هذا كله أدى إلى انهيار مستوى الوعي التعليمي والثقافي عندنا في اليمن، أضف إلى ذلك سقوط قيمة المعلم والمعلمة من نظر الواقع المعرفي واستحداث شخصية تعليمية جديدة تحل محل العلم والمتمثلة في (العلم البديل) الذي يعتمد في مناهجه على ضبابية الشارع السياسي وعوامل التعرية الخارجية والداخلية المؤثرة عليه.. التعليم في اليمن أصبح بحاجة إلى عملية استئصال فورية لورم خبيث تسبب في حدوثه ذلك التلوث الهائل من النفايات العرقية والقبلية والحداثة المستوردة في غلافها الثقافي الهابط شكلاً ومضموناً..
وليس التعليم وحده من طالته يد الفساد المادي والمعنوي، إذ أن هناك أبواباً للفساد لو فتحناها اليوم لتطايرت رؤوس البعض عن أجسادهم كما تتطاير الفراشات في فصل الخريف زرافاتٍ ووحدانا، لكن علينا العمل بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا بُليتم فاستتروا" صدق رسول الله وليس المطلوب التستر على جريمة الفساد، بل ستر نتائجها وحجبها عن إرادة الإشهار والتشهير، بغية التعقيب على أفعال الخلق بدمغة الفضيحة، لأن الله قد سترهم وهم في منتهى القوة وهو القاهر فوق عباده، فهل من الخلق أن تفضح من أصبحوا في منتهى الضعف ونحن عباد الله الضعفاء؟!.. دعوا الخلق للخالق، ولنبدأ من خاصة أنفسنا صوب تعديل اتجاهاتنا وتقويم سلوكياتنا ودعم مواقف القوة فينا، ليس من العيب أن يكون هناك أحزاب، لكن العيب هو في وجود الخراب، وليس من العيب وجود أغلبية أو أقلية، إنما العيب في وراثة التبعية والهمجية بل إن من العيب أن نؤمن ببعض الفساد ونكفر ببعضه! نشرع لشيء منه وننكر وجود قليله أو كثيره، الفساد هو الفساد سواءً ارتداه الوزير أو انتعله الغفير، وسواءً كان له حصانة أو لم يكن ولهذا نحن فعلاً بحاجة إلى معاملته كداء خطير وشرس حتى نستطيع تحديد نوع الدواء الناجح الذي يزيل السبب ولا يترك الأثر.. الفساد عُطل يقلب الغاية من وجود الشيء ويغير معانيه ولهذا حين يفسد الدواء يصبح سبباً في حدوث الداء، إنه وسيلة قذرة لتغيير الحقائق وإبطال مفاهيمها..
ألطاف الأهدل
الفساد من أوله إلى آخره! 1859