حين تسكن ديناميكية الحياة من حولك تستطيع أن تسمع ذلك الصوت الخافت القادم من أعماقك، تستطيع أن تسمعه، وتتأمل مدى تأثيره عليك حين تكتشف نفسك وأنت تترجم ذلك الصوت إلى أفعال يمكن أن تصحح مسار حياتك وتقودك إلى حلول لم تكن ستصل إليها لولا استسلامك للهدوء وخلودك للراحة وقبولك بالاسترخاء كحل سريع وفعال للقضاء على تلك الضغوط التي تكاد تفتت أدمغتنا ليل نهار ونحن نلهث للبحث عن الاستقرار المادي والعاطفي والوظيفي والوطني أيضاً.
الهدوء والاسترخاء والتأمل والصمت مفاهيم محصورة في مجتمعنا لأنه مجتمع فوضوي، مندفع، قليل التأثر بالثقافات الاجتماعية الراقية التي أنشأت عليها مجتمعات أخرى أكثر فهماً واستيعاباً للمعنى الحقيقي للحياة، فالحياة ليست وجبة طعام دسمة، ليست امرأة جميلة، ليست طفلاً يلهو ويلعب حول والديه متلفعاً بصحة جيدة، ليست وظيفة ولا عربة ولا رتبة ولا سلطة.. ليست الحياة ما نراها نحن، إنما هي لعبة بحاجة إلى لاعبين محترفين، لديهم روح رياضية عالية، لأنها قد توقعهم على الأرض أحياناً وقد يوقعونها أحياناً أخرى.
الحياة أبسط مما نتصور، لكنها ليست خالية من التعقيد كما يتصورها البعض، هي خلطة فريدة من الأحداث الرياضية والفيزيائية والكيميائية التي تصب جميعاً في قالب الروح والفكر الإنساني كعواطف وأمواج وعوامل تعرية يصنعها، ا لقدر والإرادة الإلهية اللطيفة بالبشر.
الحياة دائرة تسكنها زوايا مترامية لا حصر لها ولا عدد، تلك الزوايا هي من تشكل قناعاتنا وردود أفعالنا وسلوكياتنا وهي من تنسج خيوط تلك النفسيات الشفافة التي تسكن صدورنا، والنفس ترتاع في حضرة الفوضى والضجيج، لكنها تسكن في حضرة الهدوء والطمأنينة حتى تصبح أنفاسها محدودة، وخلجاتها مسموعة، ومفرداتها مشرقة بالمشاعر، مترفة بالتعابير التلقائية البريئة، وهنا يستطيع الإنسان أن يكتشف نفسه، من هو، هل هو ذلك الإنسان الطيب الودود الذي تخونه أعصابه أمام الآخرين فيبدو قاسياً وعصبياً؟ هل هو ذلك اللبق الذي يستطيع الخروج من المآزق اليومية بسهولة، لكنه لا يستطيع أ، يغفر زلات الآخرين تجاهه وأن يكون متسامحاً بما يكفي لتصحيح علاقاته مع الناس من حوله؟! هل هو ذلك العاقل الرصين الذي يخفي في داخله بركاناً ثائراً؟ هل هو ذلك الشخص الذي يرتدي ثوب الوقار وحواسه عارية في الحقيقة من كل فضيلة؟!.
إذاً في مساحة كافية من لحظات سكينة وهدوء واسترخاء اكتشف نفسك، واعرف أسباب انفعالك، عمق مشاعرك، دوافعك السلبية أو الإيجابية للتفاعل مع الآخر.. كل ما لا تعرفه عن نفسك ستعرفه حين تجد الفرصة المناسبة للحديث مع ذاتك.. فقط ابحث عن ساعة سكينة وراحة واسمح لأذنيك أن تلتقط ذبذبات الحوار الشفاف بينك وبين نفسك.
ألطاف الأهدل
كيف تكشف نفسك؟! 2017