قامت الحياة ولا زلات على كفتي ميزان، وحين يقع الظلم فقط يحدث الخلل ويكثر الزلل وكل ذلك بما جنت يد الإنسان الذي جُبل على الخير والشر معاً، من أجل ذلك هنا أمراء ومأمورون، حكام أو محكومون، وزراء وحاشية، دواوين ومظالم ووزارات، لكن الظاهر للعيان أن أولئك الأمراء والحكام والوزراء شغلتهم أموالهم وأهلهم عن تلمس حاجة الضعيف ونصرة المظلوم ومعاقبة الظالم والارتقاء بمستوى القوانين لتصل إلى مصاف التحكيم الصائب والعاقل والمحايد، ومن هنا نشأ الخلل وأصبحت المجتمعات تئن تحت وطأة الظلم والتفكك والانهيار القيمي والأخلاقي، فالظلم هو أول أدوات الجريمة وفي نفس الوقت هو أول مبرراتها، الإنصاف عصا الحكم والعدل بطانة الحاكم أو هذا ما يجب أن يكون، والميل عن طريق العدل آفة تهلك الأمم، وهذا تحديداً ما حدث في أمم سابقة، فبعد أن انتشر الظلم وساد الفساد وعمت الرذيلة وحدث الاقتتال، بدأت أسباب الفناء والدمار تتوالى، حتى كان أمر الله واضحاً في إنزال العقوبة عليهم بأسوأ أنواعها.
لهذا نقول إن العدل أساس الحكم وأساس الملك وأساس بناء مجتمعات خالية من الرذيلة والجريمة بكل أنواعها، كل جرائم الأرض تبدأ بالكذب وتتوسطها الخيانة ثم تنتهي بالقتل، إذاً فهي تبدأ بظلم الإنسان لنفسه وتنتهي بظلمه للآخرين على مستوى الأفراد، ثم تدخل جولة الظلم الأكبر حين يرضى أرباب الحكم ومن في أيديهم تحقيق العدل بما يحدث حتى ينتشر هذا الداء بين أفراد المجتمع في ظل غياب الوازع الديني والضمير الأخلاقي، ليصل إلى ما وصل إليه حال المجتمعات اليوم، عرى مفككة، وعلاقات مبتورة، وغفلة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن هنا يبرز دور الوعاظ والدعاة وأئمة المساجد ومن قبلهم جميعاً القضاة ومن في أيديهم سلطة العقاب وحق التأديب من حاكم، ثم وزير، قاضٍ ثم ضابط أمن.. وكل من يستطيع أن يظهر الحقيقة بلا رتوش ويبرز الباطل دون تمويه، وعلينا أن ندرك دور الفرد منا في تجنب الظلم سواء على نفسه أو على الآخرين، حتى لا ندفعهم بهذا الظلم إلى ارتكاب حماقات تؤذيهم وتقضي على حياتهم وتبقينا دهراً في دائرة عذاب الضمير..
يا وزير العدل على عنقك تتدلى كفتا الميزان وعلى عاتقك تحمل مسؤولية تطبيق القانون القضائي وتخليص أولئك الناس من أصحاب المظالم من بطش الظلمة والمعتدين ومن استخدموا أموالهم أو مراكزهم الاجتماعية أو سلطتهم الوظيفية في الاستيلاء على حقوق الضعفاء ومن لا ظهر لهم ولا كراسي ولا أموال تحميهم وتحفظ حقوقهم..
يا وزير العدل: محاكم الوطن تضج بالمظالم وتزدحم بالشكاوى وتكاد تنفجر من أنين المتعبين وآهات الحائرين الذين لم يجدوا على أرض الوطن من ينصفهم، فهلا اتقيتم النار يا أصحاب القرار؟! هلا وقفة جادة أمام تطبيق القانون وإنصاف الناس وتخليص المستضعفين من الذين استكبروا في الأرض؟!!..
يا سيدي يبيت المظلوم وقد باع أثمن ما يملك، وخسر أعز من أحب، فهل من العدل أن يحدث هذا في بلاد المسلمين ولا زال القرآن والسنة حكماً بيننا وبينكم إلى يوم الدين؟!..
أين هو القضاء المستقل الذي تغنى به السابقون واللاحقون؟! ألا تدركون أن الأيام دول؟!.
ألطاف الأهدل
إن الله يأمر بالعدل يا وزير العدل! 1922