أصابتني حمى الحزن وكدت أخرج عن جادتي وأن أرى ما حدث لجنود السبعين الذين كانوا يستعرضون عيد الوحدة أمامهم، فإذا بهم يبيتون في قبورهم أضاحي لهذا العيد، أي نوع من المتفجرات الخبيثة يمكن أن تسقط هذا العدد من الضحايا؟! أي يومٍ هذا الذي خيم الحزن فيه على مائة بيت أو يزيد؟! أي نوعٍ من البشر رضي أن يكون خنجراً مسموماً في ظهور أبناء جلدته؟ أي نوع من المعلومات التي تفرغها القاعدة في عقول منتسبيها؟!! أي حقد أعمى الذي تحمله قلوب هؤلاء البشر؟ وهل من الأديان السماوية من يأمر بمثل هذا الفساد أو يرعى حدوثه؟!.. أسئلة كثيرة عصفت بي حتى كدت أفقد إحساسي بكل ما حولي فجأة! من يقف خلق كل ما يحدث في أوطاننا؟! هل نجني حقاً ما تزرعه أيدينا من فساد؟! هل ندفع حقاً ثمن تهاوننا في ديننا ونصرة المظلوم منا والوقوف في وجه الظالم؟!.
لا شك أن الأوراق السياسية الشفافة التي يختبئ خلفها البعض بدأت تتمزق بعد أن أصبحت بعض أجزاء الوطن رهينة العنف، حبيسة الغدر، أسيرة الاقتتال، أبناء الوطن يدفعون أرواحهم كل يومٍ في قافلة موتٍ مخيفة لا ندري لها وجه ولا نعلم لها هدفاً، فإلى متى يستمر هذا الحال ونحن نعيش في ظل دين واحد وعلى أرض وطنٍ واحد؟!.
لماذا جاء هذا العمل الخبيث متزامناً مع الاحتفال بعيد الوحدة؟! وكيف دخلت القاعدة كجملة اعتراضية بين قوسين في منتصف المسافة بين أنصار الوحدة وأعداءها؟! هل أصبحت القاعدة هي المتحدث الرسمي لأعداء الوطنية داخل الوطن بعد أن كانت أداة تخريب في يد الأعداء من خارج الوطن؟!.. لا أستطيع أن أصدق أن من الممكن أن يصل حد الوضاعة والخسة والدناءة كما وصل إليه اليوم من أحداث دامية تغشى بعض ربوع الوطن وصولاً إلى حادث السبعين الذي هز قلوبنا وزلزل قفص الطمأنينة داخل صدورنا ووقفنا على إثره لحظة حداد إنسانية ووطنية غربلت فينا مشاعر الخوف والحذر حتى كدنا نصل إلى نقطة الصفر من العقل في ساعة ذهول أخرست منا كل لسانٍ ولم نجد إلا دمعاً تحرق أحداقنا متخيلين أمهات هؤلاء وزوجاتهم وأطفالهم وهم ينتظرون أن يرونهم غداً في ميدان السبعين ببزاتهم الملونة على أبواب عامٍ وحدوي جديد..
عبثاً تحاول السياسة رتق جراحنا، عبثاً يحاول الكبار أن يبقوا كباراً ما دام الصغار يعاملون كفئران معامل! من يحمينا إذا كان من يحمي الوطن اليوم مستهدفاً أيضاً؟! من يحمل بندقية الدفاع عن الوطن إذا كانت البندقية مصوبة نحو الكتائب والألوية والمعسكرات؟! أي لون يحمله الغد بعد أن اتشح اليوم بهذا السواد؟
أي نكهة تميز ساعاتنا المقبلة إذا كانت ساعات اليوم منكهة بالدماء؟!
ألطاف الأهدل
عيد المائة شهيد! 1881