تهل علينا في ربيعها الثاني والعشرين ذكرى الوحدة اليمنية المباركة التي كان ميلادها في الثاني والعشرين من مايو إيذاناً بطي صفحة الفرقة والاختلاف والاقتتال بين أبناء الشعب الواحد، وظل الاحتفاء بها طيلة السنوات الماضية في ظل حكم عائلة استبدت بالسلطة وصادرت الثروة فقهرت وقمعت وقتلت ولم ترقب في يمني إلاً ولا ذمة زيادة في المأساة ونكاية بالجرح وإذكاء لجذوة الكراهية والبغضاء وتسميماً لأجواء الأخوة وتعميقاً للشرخ، وذلك حينما صادرت باسم الوحدة كل مقدرات الشعب وأممت باسم الوحدة المناصب القيادية لتبقى حكراً على الأبناء والأصهار والأقارب دون إعمال لمعايير المؤهل والكفاءة والخبرة وفي تنصل واضح من الشراكة التي على أساسها قامت الوحدة وإصراراً على مواصلة السير في طريق إفراغ الوحدة من مضامينها الحقيقية والمتمثلة في رعاية الحريات وصيانتها، وإقامة العدل وبسط هيبة الدولة وفرض سلطة القانون على الجميع دون استثناء، وتحقيق مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات لا فرق في ذلك بين الرئيس والمرؤوس.
هنا وفي هذه الأثناء وفي ظل ممارسات قتلت روح الوحدة لتُبقي عليها جسداً لا يلوي على شيء خصوصاً بعدما تفشت المظالم وصار لإخواننا في الجنوب النصيب الأوفر من هذه المظالم التي صدرها نظام مأزوم كجزء من مكافأته لأبناء الجنوب الذين هم أكثر وحدوية منه، وهو الأمر الذي جعل أحرار الجنوب ينتفضون قبل غيرهم ضد سلطة ظالمة غاشمة، ليستمر نضالهم السلمي الذي ابتدأ عام 2006م حتى كلل بثورة الشعب الشبابية السلمية التي عمت أرجاء الوطن كامتداد طبيعي لنضال إخواننا في الجنوب، لتأتي هذه الثورة كرد لاعتبار الوحدة بما تنشده من أهداف ومطالب عادلة هي نفسها الأهداف والمطالب التي قامت على أساس تحقيقها دولة الوحدة حينما تم الإعلان عنها في الثاني والعشرين من مايو 1990م، وهو ما يستدعي من الجميع سواء في الشمال أو الجنوب أن يدركوا جيداً أنه لم يعد بين صفوفنا اليوم مكاناً لكل من يدعوا إلى ما يسمي بفك الارتباط، هذه الدعوة التي زالت مبرراتها بقيام الثورة المباركة ولم يتبقي من مبرر لمن يدعوا بهذه الدعوة إلا الأطماع الشخصية القائمة على حساب شعب بأكمله لا فرق بين هؤلاء وبين على صالح الذي ظل ينهب الوحدة طيلة سنوات مضت.. إنه آن الأوان لأن نبدأ يداً بيد لبناء يمن جديد يمناً يجد فيه اليمني كرامته أينما كان، وإن كان ثمة من يدعو إلى ضرورة الاعتذار لأبناء الجنوب قبل الدخول في الحوار الوطني الذي يعد بوابتنا لبناء اليمن الجديد، فنقول لهؤلاء: إن الثورة هي أبلغ اعتذار لكل مظلوم تم السكوت عن مظلوميته، ويبقى عليكم أن تعلموا جيداً أن الشعب في الشمال لم يكن هو من أجرم في حقكم حتى يطالب بالاعتذار، إنما المعني بتقديم الاعتذار للجنوب هو رأس النظام السابق، الذي أثبت للملأ الداخلي والخارجي أنه هو من أجرم في حق الجنوب والشمال حينما حول البلاد إلى مزرعة له ولأبنائه وأقاربه، أما بالنسبة للقوى السياسية الأخرى فليست معنية بتقديم اعتذار لأحد من وجهة نظري وذلك لأن ما حدث في 94م لأبناء الجنوب لم تقم به دويلات في الشمال كانت تتحكم بها تلك القوى السياسية وإنما قام به نظام كان يدير دولة يدير سياستها ويدبر شؤونها ويقود حروبها ويتحمل كل التبعات الناشئة عن سوء إدارته لشؤون الدولة.. نأمل أن يترفع إخواننا في الجنوب عن الصغائر وأن يبقوا كما عرفناهم كباراً ويتفرغوا لبناء دولة ارتضينا أن نسلمهم أزمة أمرها.
نجيب أحمد المظفر
الثورة.. ورد الاعتبار للوحدة! 2203