حتى لا تنشق روحي عن جسدي وأنا أرى الجياع يمارسون طقوس الفاقةِ كل يوم على أكوام النفايات، وحتى لا ألمح نظرة الحزن الكاسرة في عيني يتيم رحل والده في مسيرة راجلة، خذني معك حتى لا تلامس يداي كفي أرملة تركها زوجها فجأة على قارعة الحياة، حتى لا ألحظ سور مدرسة يتهاوى الأولاد هرباً من قصة جهل يسردها معلم أحمق، وحتى لا ينام جريح على أسرة مشفى يشق أنينه حاجز الرحمة ولا يصل أذني طبيب، خذني معك حتى لا تفاجئني الأيام بقاضٍ ظالم وعدالة غائبة ومحامٍ محتال ومحكمة تبيت وكراً للشياطين وتصبح مأوى للمجانين وينتصف عليها النهار وقد سكنتها جحافل الدعوات من أفواه المظاليم، خذني حتى لا أسمع عن قصص السجون العتيقة، عن الجوع الذي يسكن بطون نزلائها، عن الأمراض التي تنتشر بينهم كانتشار النار في الهشيم، عن فاقة الحرية التي أصابت الأبرياء منهم وهم في انتظار حكم البراءة، خذني معك حتى لا أشعر بقهر أخ وقسوة زوج وعقوق ابن وجحود اجتماعي ليس له أول وليس له آخر، خذني حتى لا أسأل نفسي مراراً بأي ذنب قتلت أيها الثائر الباحث عن رغد الحياة وحتى لا أضيع في زحمة الهتافات تملأ أزقة ذاكرتي لأجل ماذا نعيش؟! خذني معك حتى لا أتوسد الحيرة كما يتوسدها الشعب واحتضن الأسى كما يحتضنه، خذني حتى لا أرى ابن مسؤول ينعل حذاءً يساوي قيمة مواطن، ويستر سوأة جسده ببزةٍ تعدل قيمتها حياة طفل، خذني حتى لا أراهم شبعوا من ضروريات الحياة حتى يتقيؤها على رؤوس الخلق في رقصة تيه وبطش، الشعب يئن من سطوة الجوع ويبحث هؤلاء عن إشباع إحساس الرذيلة فيهم، يتهالك الناس فقراً بالملايين وينفق هؤلاء ملايين الشعب حول باغية في بلاد المستحيل، خذني حتى لا تسألني ندى وهند وأروى ولبنى عن موعد الحصول على مقعدٍ متحركٍ بعد أن مللن سجن الإعاقة وما من مجيب وحتى لا يهمسن أحمد وعبدالله ومحسن وعلي عن يوم جديد تشرق شمسه وقد استطاعوا أن يلتحقوا بمدرسة تفهم لغة الإشارة وتتقن مفردات الصمت، ارحل وخذني معك فالموت أرحم من صور الذل التي أراها في أعين الفقراء كل يوم، فخذني حتى أتخلص من نظرة الحرمان في عيون أطفال الشوارع وأتوقف عن استرجاع الكوابيس أمام أوراقي كل ليلة حين استيقظ من نومي فزعة، خذني حتى لا تذوب أحشائي كمداً أمام حمى البحث عن هوية، وحتى لا أضطر لغض البصر عن مستقبل نضيب حين أرى دول الجوار حولت قفارها إلى حدائق ومدرجات الجبال في وطني إحدى عجائب الدنيا تغني كما غنى أيوب من قبلها (ارجع لحولك)، خذني حتى لا أسمع عن شبابنا يذبحون على حدود الجوار وهم يهربون من فقر الوطن إلى غنى الغربة وما للغربة ثمن.. ما للغربة ثمن.
ألطاف الأهدل
ارحل.. لكن خدني معك! 2041