تتعثر لغة الحضارة في مجتمعات لا تقدس الوقت ولا تعطي للجمال معنى ولا تؤمن بالنظافة والأناقة كعنوان للمجتمعات الراقية، وفي مجتمع كمجتمعنا تحديداً يصعب الكلام عن الرقي أمام سياسة مجتمعية صماء لا تكاد تعي حجم مسؤولياتها الوطنية الجسمية في وجود فلسفة اللامبالاة التي يفتعلها الجميع ومن المؤسف أن يأتي الباطل من أهل الحق، والخطأ ممن يفترض أن يكونوا أهلاً للصح، ومنتهى القسوة ممن يجب أن يكونوا أصحاب الرحمة وأربابها. لم أجد ذلك وأنا أبحث في أزقة المستشفى الجمهوري عن من بيده عهدة "الأسنسير" حتى أتمكن من نقل والدي من الطابق الأول إلى الثالث دون عناء حين منعته حالته الصحية من السير على قدميه لرؤية الطبيب المختص وكأن "الأسنسير" أصبح ملكية خاصة كما أصبحت مساحات الأوطان وشعوبها ملكية خاصة للجهلة من الحكام..
بقيت ووالدي طويلاً في انتظار نتيجة الفحوصات التي قررها الطبيب وحين لم أستطع الصبر ولفت إلى حجرة المختبر بنفسي لأشاهد المخبريات من النساء مجتمعات على مائدة الـ(صبوح) الذي تفوح منه رائحة الثوم والـ(بسباس) في أكثر صورة همجية يمكن أن يراها المرء في مشفى! نتائج الفحوصات تتأخر لأن الـ(هوانم) يتناولن طعام الإفطار داخل المعمل، بالرغم من أنهن يطأن أرض المشفى في تمام الثامنة والنصف إلى التاسعة، فما الذي يصنعنه في بيوتهن منذ أن يستيقظن لأداء صلاة الفجر حتى تلك اللحظة؟!.
الممرض يصطبح والممرضة كذلك، بعض الأقسام يمتنع الأطباء من المداومة فيها يوماً ويأتونها أياماً أخرى في صيام مهني فريد من نوعه! الكل ليس في مكانه المحدد، الممرضات من ذوات الدم الحار والأطباء والممرضون من ذوي الدم البارد، ليس هناك إنسانية في التعامل ولهذا أطلب من أصحاب القرار ما يلي:
1- يمنع منعاً باتاً تناول طعام الإفطار في المكاتب والدوائر الحكومية ولا يُسمح إلا بتناول بعض المشروبات فقط وفي حدود زمنية ضيقة.
2- من المفترض أن يكون عامل "الأسنسير" حاضراً باستمرار أمام المصعد حتى يستطيع نقل حالات الإسعاف الصاعدة أو الهابطة من وإلى غرفة الجراحة بجاهزية عالية وتفانٍ تام، ولهذا يجب فرض قوانين إدارية صارمة بشأن معاملة المرضى داخل المستشفيات الحكومية ووضع مصلحة المريض أولاً، حيث من الملاحظ أن المستشفيات الحكومية تحولت إلى مسالخ بشرية تمارس شتى أنواع العنف الجسدي في ظل مشروعية مهنية جائرة ومشوشة على الناس.
3- إجراء اختبارات لياقة مهنية خاصة بطاقم الممرضين والممرضات الذين يرتدون ثوب عزرائيل دون أن يأبهوا لحالة المرضى واحتياجاتهم لمعامله إنسانية قبل كل شيء، فمن وجهة نظري لا يجب أن تعمل في مجال التمريض فتيات يتعاملن مع الشخص المريض أو المصاب كقطعة اسفنج يجب أن تمتص حنق ونزق واستخفاف بعضهن بشرف المهنة إلى أقصى حد.
4- يتم اختيار مدراء المستشفيات الحكومية وفق شروط ومعايير أكاديمية ومهنية صارمة وبالغة الدقة حتى نتخلص من كواليس مصاصي الدماء التي تخفيها مكاتب تلك المستشفيات بدعم اعتباري من مدراء تلك المستشفيات.
والمهم في الأمر كله إعادة الاعتبار للمشفى كمصطلح أو مفردة إنسانية سيدخلها الأصحاء يوماً ولو بعد حين! والذي نريده أن تبدأ هذه الإصلاحات من تعز حتى تكون نموذجاً لمحافظات أخرى على أرض الوطن، ومن تعز تحديداً يبدأ التغيير إلى مجتمع أكثر حداثة ورقياً، لأني أعتقد أن لدينا محافظاً يجيد قراءة كتاب الحضارة بكل اللغات الوطنية، الإنسانية، السياسية..
ألطاف الأهدل
على مكتب السيد محافظ تعز 2105