نعلم يقيناً أن قانوناً مثل قانون العدالة الإنتقالية الذي تعكف على إصداره حكومة الوفاق الوطني قانون تحتاجه اليمن للخروج من دوامة العنف والاقتتال إلى فضاءات رحبة من التسامح والإخاء لبناء يمن جديد يمن يتسع لأبنائه، لكن من غير المنطقي ولا المقبول حقاً أن يتحول هذا القانون إلى معضلة حقيقية لتجعلها حكومة الوفاق على أعلى سلم أولوياتها وذلك لاعتبارات أهمها أن الإعداد والمناقشة والإقرار لهذا القانون ومن ثم السعي لإصدار قرار جمهوري به كل هذه الخطوات التي اتخذتها الحكومة بشكل متوالية هندسية في الوقت الذي لم تنتقل فيه توجيهات رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الوفاق بشأن إعالة أسر شهداء ثورة فبراير 2011م إلى واقع عملي ملموس، كما لم يتم إلى الآن الوفاء بالعهود التي قطعها الجانب الحكومي على نفسه بأن يتم الإفراج عن جميع الأسرى والمختطفين من شباب الثورة، و أن تتولي الحكومة علاج جرحي الثورة داخل الوطن وخارجه بدلاً من الركون على الجهود التي تبذل من قبل الجهات الغير حكومية والتي أثمرت تسفير حالات معدودة من جرحى الثورة، إن كل هذا التنصل أو التسويف في الوفاء بتعهدات الحكومة تجاه الثورة والثوار يجعل من القانون سوطاً بيد الجاني لجلد الضحية وهو ما يعد إخلالاً واضحاً بمبدأ العدالة الذي نري التطفيف فيه واضحاً لصالح طرف على حساب طرف آخر.
أما الاعتبار الثاني الذي يجعلنا لا نستسيغ هذا القانون في الوقت الحالي هو ما نراه من تناقض للحكومة مع نفسها، حيث أنها وفي الوقت الذي تنشد فيه العدالة تمارس الظلم والانتقام بأبشع الصور تجاه الثورة والثوار وذلك باستمرار إبعاد من انضموا للثورة من عسكريين عن أعمالهم إلى جانب استمرار الإجراءات الانتقامية المتخذة في حقهم والمتمثلة بمصادرة مرتباتهم إلى اليوم، خير شاهد على هذا ما نراه من تصعيد يقوم به المنضمون للثورة في مختلف المحافظات مطالبين بإعادتهم إلى مواقعهم وصرف مرتباتهم كاملة عن الفترة الماضية وحتى اليوم، حيث لم تنصف لهم الحكومة من نفسها، مع سعيها الدؤوب والجاد لإقرار قانون العدالة الانتقائية عفواً الانتقالية، فعن أي عدالة تتجرأ حكومة كهذه أن تتحدث، ألم يكن حري بها وأولي أن تنصف الناس من نفسها قبل أن تنصفهم من بعضهم، لأنه إذا كان باب النجار مخلوعاً فالواجب عليه أن يصلح بابه قبل أن يصلح أبواب الآخرين، ولا عذر للحكومة هنا ولن نعذرها إلا إذا صرحت أنها تحمل ثقافة المستبد وستظل تحملها لتعمل بها كموروث يجب الحفاظ عليه، وهو ما لم يكن على الثورة إلا أن تسقط أشخاص هذه الثقافة لا الثقافة ذاتها، وإلا فأنى لنا أن نعذرها مع امتلاكها لقرارها وصمتها عن التصريح بعجزها و عن البوح بمن يعوق مسارها.
إلى هذا لا يعد قانون العدالة الانتقالية مستساغاً لما يحمل في طياته من تستر واضح على الجرائم التي وقعت في الفترة قبل 1990م، حيث لم ينص القانون على أن يتم التعاطي مع تلك الجرائم بمثل تعاطيه مع الجرائم التي ارتكبت بعد عام 90م مع ما لها من أثار ما تزال باقية وتمتد إلى اليوم، فإذا كنا جادين في التأسيس لعدالة تدوم كان لزاماً ولابد على جميع الأطراف السياسية أن تسعي جادة ومقتنعة نحو العمل على معالجة كل النتوءات التي وجدت على جسد هذا الوطن حتى يتحرك صوب المستقبل سليماً معافى من كل جراحاته، لأن مداواة بعض الجروح مع إهمال بعضها الآخر بلا شكل أنه أن هذا التصرف في حد ذاته جرح آخر استجد في جسد وطن أنهكته الجراح.
أخيرا: إن قانونا كهذا خطوة في الاتجاه الصحيح نباركها وندعمها، لكن بعد أن تنصف الحكومة من تضرروا جراء الثورة وتعيد لهم حقوقهم المستلبة ووضع حد لمعاناتهم بدلاً من جعل معاناتهم تتفاقم ليجدوا أنفسهم أول من يتقدم إلى هيئة المظالم التي ستنشأ وفقا لهذا القانون بتقديم دعاويهم على الحكومة ووزرائها الذين عكفوا على وضع هذا القانون ليكون لعنة عليهم، نأمل أن نجد في الحكومة أذناً تصغي وقلباً يعي ويقدر معاناة الناس وآلامهم لنصبح وقد وضعت الحكومة حداً لكل معاناة وأنست الناس كل ألم.
نجيب أحمد المظفر
قانون العدالة حيث لا عدالة 2119