كنت مدعوة قبل أيام لحضور فعالية شبابية بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لوحدتنا الرائعة وفاءً لشهداء السبعين الذين رحلوا غدراً عن ساحة الوطن، وكان حزب الشباب الوطني قد استضافني لإلقاء كلمة الصحافة والصحفيين، وبالنيابة عن كل صحفي وصحفية، كاتب وكاتبة وجدتني ألقي كلمتي الموجعة عن حال الوطن والصحافة اليوم بعد أن باتت بعض أعمدة الصحف ركاماً سياسياً هشاً لا يكاد يستبصر الحقيقة من أي زاويةٍ كانت وهذه هي الجريمة بعينها، فالناس يمسون ويصبحون في حالة خوف وتعطش من الحقيقة ولها ومن العيب أن ترتدي بعض الصحف ثوب الوقار وهي لا تعرف العفة مطلقاً!.
وما شغلني عن التفكير في أمر الصحافة والصحفيين ذلك الزخم الشبابي المتوقد الذي لحظته خلال الاحتفال وبكل أسف زخم شبابي غير موجه، فمن وجهة نظري أن ما جعل الناس تثور ثورتها العملاقة هو الفساد الذي جاء كنتيجة لعدة أسباب كان من أهمها التحزب والأحزاب، فلماذا إذاً نعمل جاهدين لإعادة هيكلة وبناء أسباب الفساد تحت مسميات أخرى؟!.
لماذا لا يوجه هؤلاء الشباب طاقاتهم الجبارة في إرساء قواعد دينية وأخلاقية عملاقة تخدم بقاء المجتمعات واعية ونقية وبعيدة عن التطرف والانقياد لاتجاهات وضيعة لا تكاد تخدم وجود الإنسان اليمني وكينوننه الوطنية بشيء؟ ولماذا التعطش السلطوي وباستطاعة كل إنسان منا أن يكون سلطان نفسه قبل كل شيء؟!
في الحقيقة نحن نتكئ على ثقافة سياسية هشة ينبغي على أصحاب الكلمة الأكاديمية والدينية والأخلاقية أن يقوضوها من أجل إعادة بناء ثقافة إنسانية داعمة لاستقرار الإنسان والنهوض به أخلاقياً قبل كل شيء، وأظن أنه من العيب أن نلقم أيدينا بالحجارة إذا كان كل ما حولنا من الزجاج! ولهذا أنا أهيب بأبنائي الشباب داخل الساحات وخارجها، من كان منهم ثائراً أو لم يكن ومن كان منهم وطنياً أو لم يكن بالالتفاف حول منصة الوطن فقط والبحث عن آلية أخلاقية دينية حضارية راقية تستوعب توجهات وطاقات وطموحات الجميع نحو صنع دولة مدنية مؤطرة بقوة التشريع ومحمية بمعطيات القانون، أما أن تتفرق من جديد في شكل أحزاب متفرقة فهذا أمر مرفوض ويجب أن ينتبه الشباب إلى أنهم لم يعودوا في تلك السن المبكرة التي ترضعهم فيها السياسة العامة مصاصة الأحزاب والتحزب بعد أن أثبتت تجربة الديموقراطية فشلها في بلد يتكئ على خلفية قبلية، عشائرية، عرقية، بغيضة، الأقوياء فيها يسودون حتى لو لم تكن عروقهم نظيفة!.
وإذاً فالحذر كل الحذر من هذا الفخ الكبير الذي وجد فيه الجميع أنفسهم فجأة، فرسالة الساحات كانت (لا للأحزاب والحزبية) ومن الغريب أن تصبح اليوم (نعم للأحزاب والحزبية)..
فما عساها تقدم تلك الأحزاب للوطن الجريح في ظل إمكانيات معدومة اللهم إلا من خطابات وشعارات يكتبها الأمس ويمحوها الغد ولا يعلم عنها اليوم أي شيء سوى أن (كل حزب بما لديهم فرحون) صدق الله العظيم..
أنا أدعوكم لتأمل هذه الآيات العظام من كتاب الله الكريم في سورة الروم: "فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعملون (30 منيبين) إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين (31) من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزبٍ بما لديهم فرحون (32). صدق الله العظيم.
تأملوا جيداً قبل أن تدور عجلة التاريخ لتجدوا أنفسكم تقترفون ما اقترفت أمم من قبلكم..
ألطاف الأهدل
أحزاب في أحزاب يساوي خراب 2157