نعيش منذ مدة ما بين مرسل ومستقبل، متحدث وآخر مسرف في الحديث، محلل أو محللون لخطابات القادة وباحثين خلف مفرداتهم ولغة أجسادهم ولا أدري عن ماذا نبحث تحديداً، لدي وجهة نظر خاصة في السياسة، إنها عبارة عن مسرحية كبيرة وإن الأدوار التي يلعبها السياسيون على خشبة المسرح أدوار خارجة عن النص وإن ما خلف الكواليس لا يشبه أبداً ما هو أمامها، فلماذا إذاً نتشعب ونتفرق ونقف على قبر الماضي طويلاً وكأنه يمكن أن يعود؟!..
أحدهم في إحدى المحاضرات التوعوية وبينما كنت أشرح للشباب خطر الانشغال عن الوطن بالتفريخ لأحزاب جديدة داخل الساحات يرفض بعضها مبدأ البعض ويتعدى بعضها على حرية البعض، بل إن بعضها لا يقبل رأي الآخر، ارتفع فجأة صوت أحد الشباب قائلاً: يا أستاذة: "نحن بقينا مستعمرين ثلاثة وثلاثين سنة"، فقلت: وهل سنبقى ثلاثاً وثلاثين أخرى نلعب دور النائحة؟! وتابعت حديثي إليهم وقلبي يقطر دماً على تلك القناعات الراسخة لديهم، فعدت وذكرتهم بقول سيد قطب رحمه الله في كتابه "ظلال القرآن" حين قال: (ليس الذي يثير النزاع هو اختلاف وجهات النظر، إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة نظر يصر عليها مهما تبين له وجه الحق في غيرها، وإنما هو وضع الذات في كفة والحق في كفة، وترجيح الذات على الحق ابتداءً).. وتأملنا سوياً أيضاً قول فولتير: "إنني لا أتفق معك فيما تقول ولكنني على استعداد لأن أضحي بحياتي دفاعاً عن حقك في أن تقوله".
إن الوطن اليوم ليس بحاجة إلى باكين ونوائح ومعددات، بل هو بحاجة إلى قادة عظام في تسيير اتجاهاتهم الفكرية الراقية والمعتدلة أولاً ثم في وضع مساحة احترام للرأي الآخر ومحاولة المزج بين رؤاهم ورؤى الآخرين بهدف بناء وطن جديد بمفاهيمه وقيمه السياسية والاجتماعية، والأمر يحتاج فقط إلى بعض الإصرار والرغبة الحقيقية في الوصول إلى ذلك الهدف دون الحاجة إلى تحزب وتأطير وتحديث النسخ الحزبية القديمة التي اغتالت ثورة شباب أرادوا أن يحيوا بشرف، من أجل أن تفتح ملفات الماضي وتجتهد في تصفية حساباتها القديمة بين من كان ومن صار ومن لازال!!
ليتنا نفرغ شحنة السياسة تلك بشحنة تنموية تدفعنا لبقاء الوطن الذي حطمته أيدي المفسدين منا، وفي ذلك يجب أن يتنافس الشباب حتى تظهر على الساحة الفكرية والثقافية كل أو جل وجهات النظر التي يمكن أن نجعلها معولاً للبناء وفق أبعادها الطموحة والثائرة والباحثة عن فكرة تطبيقية تسكنها مادة ومعنى.
كثيرون هم الذين يتحدثون عن الوطن، وكثيرون هم من يبقون مجرد مستمعين وقليلون فقط من يبذلون أقصى ما يستطيعون لتنفيذ كل فكرة تقع في منتصف المسافة بين متحدث ثرثار ومستمع يقتله الاستهتار.
ألطاف الأهدل
هل تسمحون لي بهذه الكلمة؟! 2262