تقف أمام المجتمع اليوم تحديات ضخمة جداً، من أهمها الحافظ على وحدة الوطن وتلاحمه وسلامة صفوفه من ثغرات التبعية والوصاية والتشطير، ولعل من المهم جداً خلال هذه الفترة العصيبة التي يمر بها الوطن أن يستوعب الجميع فكرة الآخر، وينأى الجميع عن دائرة التعصب التي طمست بصائر الكثيرين وجعلتهم يرون رؤاهم السياسية أو الدينية أو المجتمعية هي دستور الحقبة القادمة من تاريخ الوطن، والذي يجب أن يعيه أصحاب هذه التوجهات المتعصبة أن الاختلاف سنة كونية وأن الله تعالى خلق للناس أدمغة مفكرة حتى تخرجهم من أزماتهم الإنسانية لا لتدخلهم في نطاق أزمات متتالية لا حصر لها ولا عدد ولا غاية منها ولا هدف، ولهذا قال الله تعالى في كتابه الكريم (وأمرهم شورى بينهم)، كدليل قوي على أهمية هيكلة القرار وفق رؤى اجتماعية مشتركة، بل ورؤى سياسية ودينية موحدة.
ينبغي أن يدرك الجميع أن الوطن اليوم حاله حال الأسد الجريح الذي إن سقط تآلبت عليه الضباع ومزقته جوارح السماء، ولهذا نقول إننا بحاجة لإعادة نسج العقلية الجمعية حتى تتوحد الأفكار والأهداف والنوايا مهما اختلفت الاتجاهات التي تفرضها آلية العمل وهذا لن يحدث إلا بجهود عظيمة جداً ومتكاتفة إلى أقصى درجات التكاتف والالتحام ويكون فيها لسان حال ولي الأمر والمأمور، الحاكم والمحكوم، الصغير والكبير متحدثاً بلغةٍ واحدة، أما ما يحدث اليوم على أرض الوطن فهو أشبه بمن يريد أن يؤلف قصيدة حب ناعمة وهو يتكئ على مقلب نفايات!.
الشعب اليوم عبارة عن أسراب من الحمائم والصقور والنوارس والنسور وحتى النعام أيضاً، هناك من يحلق عالياً بحثاً عن الحب والسلام وهناك من يحلق أعلى حتى يستطيع أن يحدد فرائسه وهناك من يبقي رأسه مدفوناً تحت التراب حتى لا يرى حال هذا أو ذاك!.
إن توحيد الصفوف ليست مهمة فردية بل هي مهمة جماعية حملها أولئك الذين فتحوا أبواب التغيير على مصراعيه وأعلنوا أن حرية الفرد لا تستطيع أن تشتريها سجون الحكام وأن كرامة الفرد لا تقيدها سلاسل السياسة.. ولهذا نقول لهم: كما بدأتم مشوار البحث عن وطن جديد أكملوا آلية الوصول إلى الهدف، ولا تنتظروا أن تكون هناك مبادرات أخرى مفصلة بمقاييس اجتماعية خاصة، بل يجب أن لا ينتظر المجتمع اليوم هبوب رياح ثورية جديدة حتى يكتمل بناء الفكرة الموحدة حول مصلحة الوطن.
الكثير من التكتلات الشبابية على مساحات الوطن بدأت تؤمن بأهمية توحيد الصفوف وشعارها لا يحمل إلا معنى واحداً: إلى الوطن دُر! لكن تلك التكتلات بحاجة لدعم قوي في مجتمع عاش ردحاً من الزمن في ظل ثقافة هشة جداً وعزائم خائرة لا تكاد تحرك نفسها، ومن عاش عمراً على الأرصفة وفي الأزقة لا يهمه أن يعيش يوماً خلف جدرانٍ أربعة!.
ألطاف الأهدل
إلى الوطن دُر! 1893