تزدحم طوابير الأحزان على قلب الإنسان ويحتار لمن يشكو أطنان الهم الرابضة على فؤاده، ما بين خيانة صاحب وغدر قريب وبُعد حبيب وقهر أهل ونكران قربى وجحود ولد، وبين قسوة حياة وضنك عيش وصعوبة رزق وأسواق بشرية لا ترحم، يصبح حسن الخلق ضعفاً والصبر على الأذى جبناً والحرص على مشاعر الآخرين خوفاً ومراعاة الحقوق هروباً..
تتبدل المعاني ليسقط السامي منها ويرتفع الوضيع فيها، ونخسر في زحمة الهم هذه أجمل لحظات العمر، تمضي في قافلة الأيام سابحة نحو اللاعودة..
هنا تجتاحنا رغبة البوح وتلتهمنا شهية الحديث مع الآخر وإليه، نبحث عن من يجيد الإصغاء فقط دون أن يحرك جوارحه أو يمنح حواسه حق الإنقضاض على جراحنا مهما كان حجم الخطأ الذي اقترفته أيدينا ومهما كانت نتائجه، تحتاج إلى من يتمتع بخاصية الإسفنج، إلى من يجيد الوقوف على بساط أرواحنا دون أن تدعوه قدرته إلى تهشيم معالمنا، نحتاج إلى من يدفعنا للحاق بقافلة العمر لا إلى من يبقينا عبيداً بين يدي هفواتنا وزلاتنا ونقاط الضعف فينا، لا بد أن نشكو، ولكن لمن؟! هل نطرح ضحايا أمام الشامتين أم نعود أدراجنا خلف العابثين؟ أم نضع أيدينا في أيدي الذين مزقوا قلوبنا عنوةً ورحلوا؟ لا، أعناقنا ما خلقت لتكون مشانق، وقلوبنا ما وهبت نعمة النبض ليعلقها الآخرون أجراساً في العراء، ونحن لم نخلق من الحديد إنما من الطين حتى يسهل علينا تشكيل أرواحنا حين يعز الصديق ويندر الرفيق ونعيش تفاصيل الوحدة والألم بمفردنا، نشكو إلى ذي مروءة، إذا نطق واسى وإذا صمت توجع لوجعك، نشكو إلى من يربت على أكتافنا ولا يسمح لنفسه أن يقلب دفاتر الأيام ليزيد جراحنا نزفاً وحرقة، نشكو إلى من يستطيع أن يحرك بأنامله عقارب المفردات ومصائب المعاني التي وقعنا في فخها رغماً عنا، لكن كيف وشقوق صدورنا مسكونة باليأس والحرمان والجوع إلى شركاء الهم وأهل المروءة؟!.
لا بد من شكوى تكسر القيد وتضمد الجرح وترعى ماء الأحداق حين ينسكب.. لا بد من شكوى لمن يرتعد لصقيع أحرفنا ويتغشاه الدفئ لحرارة مشاعرنا، من لا يحاول نصب الأفخاخ حول جذوعنا ولا يشمت إذا أصابتنا حمى القدر، لا نستطيع أن نبقي مشاعرنا المثلجة داخل صدورنا ولا نستطيع أن ننشرها كإعلان تجاري سخيف خالٍ من المضمون، لكننا لا بد أن نهمس بها كشكوى لمن يصبح قلبهُ صندوقاً لأحزاننا لا يمكن أن يتسلل إليه فضول الآخرين.
ألطاف الأهدل
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءةٍ 2754