كنت أستمع بإنصات شديد لشكوى إحدى الصديقات من زوجها وشعرت أنني أستمع لنشرة أخبار مطولة على قناة فضائية عريقة في بث أخبار الدنيا بشكل مباشر، شعرت أنها تدور في حلقة مفرغة وأنها تبحث عن أسباب للانفصال عن هذا الرجل بأوهن وأضعف الحجج التي يمكن أن تأتي بها امرأة من سلاسة ذوات الكيد العظيم.. ومع هذا فلم أبخل عليها بآذن صاغية رغم اعتراضي على الكثير مما كانت تتلعثم به أحياناً وكأنها أمام لجنة محلفين، وبكلمة واحدة قلتها لها انحدرت دموعها بغزارة شديدة وكأني وضعت يدي على الجرح مباشرة حين قلت لها: هل تحبينه؟! فأجابتني بنعم الغارقة في ماء الحزن، فوجدتني أترك لها فرصة غسل قلبها من هذا الهم حتى صمتت وتركت مكتبي وهي مقتنعة بأن تبحث عن السعادة بمخالب أنثى وليس بسكين جزار!!.
كثيرات هن النساء اللاتي يشكين لي من هفوات أزواجهن ويجدن أنفسهن أمام خيار الانفصال حين لا يجدن خياراً آخر سواه، وكأن عين الحب عند الغضب تصبح عمياء فعلاً، حتى أنني بدأت أصدق قول من قال: وعين الرضا عن كل عيب كليلة × ولكن عين السخط تبدي المساوئ
لكن كان من المفترض بهؤلاء النسوة أن تتغاضى عين الحب فيهن عن مساوئ الرجال ولا تظهر إلا المحاسن، لكن ما حدث هو العكس تماماً ولا أملك تفسيراً واضحاً لذلك إلا أن لكل واحدة منهم مشاعرها وصندوق أسرارها الخاص بها، والذي جعلها تندفع لهذا القرار الصعب دون تفكير.. وبقيت كثيراً أمام شكواهن حائرة أمام سؤال هام: ماذا لو كانت العصمة في أيدي هؤلاء النسوة؟! هل سيبقى لفظ (زواج) موجوداً في قاموس الأسرة؟! وهل سيكون هناك أسرة في الأساس؟!.
الحمد لله الذي جعل العصمة في يد الرجل الذي قد تتحجر مشاعره فعلاً أمام عناد المرأة وأحاسيسها الثائرة باستمرار، لكن هذا التحجر يعد تحجراً حميداً بالنسبة له لأنه يدفعه لاستخدام عقله أكثر من استهلاك مشاعره فيما لا يفيد، ولأن الرجل أيضاً يستخدم طريقة التفكير الكلي بينما تتخذ المرأة طريقة التفكير الجزئي منهجاً طبيعياً لها دون أن يكون لها يد في ذلك حتى لو حاولت أن تكون رجلاً في ظاهر قراراتها، إلا أنها أنثى وستظل أنثى من الداخل وهذا هو الأهم.. ماذا لو كانت العصمة في أيديهن فعلاً؟! هل ستطلق إحداهن زوجها لأنه نسي أن يهديها شيئاً في ذكرى عيد زواجهما؟! أو لأنه لا يملك من الإطراء ليثني على طعامها وقوامها؟! هل ستطلقه لأنه لم يقبلها على جبينها قبل خروجه إلى العمل؟! أم لأنه فوضوي بعض الشيء في كل سلوكياته حتى العاطفي منها؟! أو ربما لأنه لا يجيد اختيار حبات الفاكهة أو الخضار حين يذهب للتسوق نهاية كل أسبوع؟! ما هي الحجج التي ستتمسك بها المرأة وتسير بمعيتها حتى تتجاوز خطوط القوامة وتجد نفسها فجأة في عراء عاطفي قاتل؟!.
أيتها النساء لا تسقين قلوبكن العطس ولا تطعمنها الجوع حتى تكسرن قانوناً سماوياً لا ينكسر.. ورفقاً بأنفسكن أن تقعن في غيابة الوحدة والغربة من جديد بعد أن أصبح العالم أمامكن وردياً إلى جوار هذا الوليف.
ألطاف الأهدل
ماذا لو كانت العصمة في أيديهن؟! 1997