في مجال الكتابة الصحفية لا نجد بداً من السعي خلف الحقيقة مهما كلف الثمن حتى نصل أحياناً لدرجة التخفي وتقمص شخصيات مجهولة لأجل غاية واحدة وهي قياس رأي الجمهور وردود أفعالهم تجاه حدث معين ومحاولة تصحيح الشائعات التي لحقت بهذا الحدث والتي غالباً ما يستخدمها أصحاب النفوس المريضة للتشويش على الناس وسحب الثقة منهم تجاه أشخاص أو منظمات أو هيئات معينة.
ما لا يعجبني بل ويؤلمني أن بعض الكتاب أو الكتابات أو هيئات معينة. وهم قلة ـ لا يتحرى الحقيقة بل ويمسك بأطراف تلك الشائعة المغرضة أو الفرقعة الإعلامية الساعية لتحقيق أهداف رخيصاً ليجعلها محوراً لمقال قد يقرأه كثيرون ليبنوا عليه أفكاراً وردود أفعال وآراء خاطئة وهذه جريمة مهنية يرتكبها البعض بوعي أو دون وعي، بينما تتطلب أخلاق المهنة أن يكون الكاتب محايداً ومنصفاً في نقل أحداث الواقع كما هي دون صبغها برأيه الشخصي أو دعمها باتجاهه الديني أو السياسي أو الأخلاقي فالأصل أن تنقل الصورة كما هي لنترك الأمر للناس بالرغم من أننا كبشر نتأثر بكل ما هو سلبي ومجحف في حق البشرية إلا أن رأينا الشخصي يجب أن لا يغادر صومعة قلوبنا حتى لا يكون دافعاً للبعض على ارتكاب حماقات تؤذيه وتسيء لمجتمعه حتى لو كانت مجرد رأي أو فكره لم تدخل حيز التطبيق.
ولذا يجب أن يكون الكاتب والصحفي على درجة عالية من المسؤولية والالتزام بأخلاق المهنة ومراقبة الله في السر والعلن ومراعاة نسبة الجهل في المجتمع والتي قد تجعل كلمته شعاراً تسير خلفها قطعان آدمية بالباطل وإثارة الفوضى والتخريب ونشر الرذيلة في بعض الأحيان، فالإنسان منا في هذا الباب مسؤول عن ما يكتب كما هو مسؤول عما يقول ويفعل.
لذا يجب الحرص على أن يكون كل حرف مما نكتب حرفاً صادقاً مضيئاً بنور الحقيقة ومتسربلاً برداء المحايدة ومكللاً بالواقعية الصرفة التي لم تلوثها أيدي البشر بأي شكل من الأشكال.
والحقيقة أن الصحفي أو الكاتب تذكيراً وتأنيثاً لابد أني تعامل مع نفسه كصائغ مجوهرات، حيث يجب أن تتوفر لديه المادة الخام والطريقة التي صنعت الحدث مع مراعاة الدقة والاحتراف في السرد والعرض والتحرير، أضف إلى ذلك البريق الذي يجعل المادة ملفتة وحائزة على الإعجاب دون سواها من مواد غثة تملأ أعمدة الصحف كل يوم قد لا تعرض فكرة ولا تستقطب رأي ولا تقدم فائدة، وهذا البريق الذي نتحدث عنه لا يمكن أن يأتي إلا حين تكون الحقيقة هي رداء الخبر أو المقال أو التحقيق أو الاستطلاع.
وإذاً فالحقيقة في الكتابة هي الأداة والوسيلة والغاية للوصول! عقل القارئ وبدونها لا تبدو كتاباتنا إلا جملاً منقولة عن حائط عتيق.
ألطاف الأهدل
الحقيقة، حبر الكتابة الصحفية. 1875