لكل مهنة ذوقيات خاصة تأتي بعد آليتها المادية وأدبياتها الإنتاجية.. والحقيقة أن تلك الذوقيات غير متوفرة على أجندة مهن كثيرة في مجتمعنا اليمني وأنا لا أقول ذلك إلا من باب الحرص على أن يكون هذا المحيط الاجتماعي الذي أنا واحدة من أفراده في أكمل وأجمل وأرقى صورة تقع عليها عين مجتمعات أخرى أكثر تطوراً وقدرة على إعطاء كل مهنة ما تستحق من الاهتمام.
لقد تحدثت قبل الآن عن ضرورة إضفاء تلك اللمسات الأخلاقية على كل مهنة أو حرفة أو وظيفة يقوم بها الإنسان واليوم أشدد على ضرورة حدوث ذلك في مهنة القيادة، قيادة السيارات التي نسمع عنها دائماً أنها فن وذوق وأخلاق، لكن ما يحدث اليوم من تجاوزات أخلاقية وإنسانية من قبل بعض السائقين سواءً كانوا أصحاب سيارات خاصة أو تلك العامة المخصصة لنقل الركاب، فاستخدام الألفاط الحادة في التعامل مع الركاب مثلاً أو نفث الدخان القاتل من أفواههم إلى صدور الناس أو الاستهتار بسلامتهم أثناء القيادة أو استغلالهم مادياً في ظل ظروف حرجة كالتي مر بها الوطن أثناء أزمة المشتقات البترولية، كل هذه الأسباب مجتمعة وسواها أكثر بكثير يدعونا لتوخي الحذر والشعور بالضيق أثناء التعامل مع هؤلاء الشريحة العاملة على أرض الواقع الاجتماعي، بعض هؤلاء يضع الأزمات بطريقة شرهة ومجحفة بحق الآخرين، فتراه في أماكن الفرزات مثلاً يستخدم صوته ويديه وحتى قدميه في استقطاب الركاب بالقوة واستفزاز الآخرين من سائقي الباصات وتجاهل مشاعر الركاب بخدش إنسانيتهم بألفاظ خارجة عن حدود الأدب واللياقة، أيضاً عدم احترام السن حين يكون الركاب كباراً لا يستطيعون استقلال الباصات بأريحية حاملين أمتعة تثقل قاماتهم المنحنية أصلاً، الأطفال كذلك لا يجدون في قلوب هؤلاء بعض الرحمة حين تحرقهم أشعة الشمس وهم يقفون على الأرصفة عاجزين عن دفع قيمة المواصلات وطامعين ببعض الشفقة لحالهم، فلا يجدون إلا قلوباً من حجر.. وإذاً فحتى القيادة لها أخلاقياتها التي يجب أن لا تنفصل عنها عملياً وعلى أرض الواقع، عدم ترك الفرصة للمشاه لعبور الطريق بسلام من قبل سائق المواصلات العامة أو الخاصة أو تلك الموتورات التي تتعدى كل قواعد السير ذاهبة وآيبة أيضاً مشكلة يعاني منها الناس الذين تحملهم أقدامهم ليسيروا على الأرض.
ليس من المخل بالرجولة أن يكون سائق الباص أو السيارة أو الموتور ذا حلم وهدوء وروية واتزان وقلب يرى الآخرين بعين الإنسانية لا بعين الكسب الرخيص الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
وبـ"50" ريالاً فقط لا غير يبيع البعض شهامته وصبره وحلمه وكرمه وهو يجلس خلف ذلك المقود الذي تصوره له نفسه البشعة أنه مقود يخت عالمي في عرض البحر الكاريبي وليس "دباب" أجرة يقف في فرزة باصات عادية.
ألطاف الأهدل
متى تصبح القيادة عندنا فناً وذوقاً وأخلاقاً؟ 2389