يدخل اليمن اليوم بوقوفه على أعتاب أهم بوابة من بوابات التغيير المنشود وهي بوابة الحوار والتي تعد المدخل المهم لتحديد ملامح المستقبل لليمن الجديد والمنشود، بهذه الأهمية التي يكتسبها الحوار خصوصاً والقضايا الوطنية التي سيتناولها المتحاورون قضايا مصيرية وحساسة، تكون الضرورة الوطنية مقتضية أن يكون أعضاء اللجنة الفنية والمتحاورون عموماً على قدر عالٍ من المسئولية التي تقتضي الجدية في تحديد القضايا وفق مصفوفة أولويات تقتضيها المصلحة الوطنية لا الأهواء التي قد تقود إلى فرض أجندات لا تحقق مصلحة وطنية بقدر ما تهدف إلى جعل الحوار مضيعة للوقت ومعتركاً للالتفاف على الثورة وأهدافها وهو ما قد يجر البلاد مجدداً إلى دوامة العنف والفوضى التي حرص الأشقاء والأصدقاء ـ من خلال المبادرة الخليجية المعمدة بقرار مجلس الأمن رقم 2014 ـ على العمل على عدم سقوط اليمن في مستنقعات الدماء، لأن الثوار لن يقبلوا بحال من الأحوال أن يكون الحوار عبارة عن خوار ـ أصوات ـ لا يتسق مع مطالبهم ولا يحقق المقاصد التي لأجلها سفكت دماؤهم ونهبت أموالهم وسحقت كرامتهم.
ومن هنا فإن الثوار ـ إن عجز الرئيس والمجتمع الدولي ـ لن يتهاونوا في ردع كل من تسول له نفسه العمل على تفخيخ الحوار من داخله ممن بدوا ـ بمخططاتهم ومراميهم المستهترة بدماء الثوار ـ يطرحون قضايا جانبية جزئية لم تكن يوماً ما وقوداً للثورة ومهيجة للثوار الذين خرجوا بالملايين في جميع الساحات والميادين، لا لتأييد الزواج بالصغيرات أو منعه، بل لإسقاط نظام مستبد ظالم غاشم وإقامة دولة الحريات والعدل والمساواة التي سيكون من المنطقي على مؤسساتها وجوب النظر في التشريعات والقوانين واللوائح والأنظمة التي تنسجم مع المبادئ الأساسية التي يجب أن تقوم عليها الدولة المدنية المنشودة.
إن فرض مثل هذه القضايا السخيفة بسخف من يطرحها على طاولة الحوار تدلل على لؤم المتبني لها وهو ما يفرض على الرئيس ورعاة الحوار إعفاء كل عابث مستهتر من ممارسة أي مهام في هذا المؤتمر الذي نريده أن يعكس الصورة الحقيقية للفقه والحكمة التي وصف النبي صلي الله عليه وسلم بها اليمنيين، الصورة التي ستظهرنا أمام العالم من خلال اهتماماتنا كباراً لا أقزاماً.
وهنا يجب على الأطراف السياسية الوطنية التي ستدخل مؤتمر الحوار الوطني أن تعي جيداً أن القبول بالحوار لم يكن إلا لأجل أن تستكمل الثورة أهدافها ونعبر باليمن إلى بر الأمان بوحدة وأمن وسلام، لا لأجل زواج المعنسات الكبار ولا لأجل إقرار قوامة معتوهة على رجال، ولا لأجل جعل العصمة بيد من فاتها القطار.
إن على القوى السياسية الوطنية أن تستشرف لنا المستقبل من خلال مؤتمر الحوار وأن تعمل جاهدة على أن لا يتحول الحوار إلى حوار طرشان، كما يجب على القوى الوطنية التي يهمها مثل هذه القضايا ويقع عليها جانب الإنكار والأمر بالمعروف أن تعي أنه ما كل ناعق يستحق أن تٌسكتوا نعيقه وأن منطق الفقه يقتضي أن لا يتم الانجرار إلى المربع الذي يريده دعاة الثورة المضادة الذين ما فتئوا يكيدون لكم ويرموكم بأقذع الأوصاف التي ارتدت مع مرور الأيام عليهم، وهو ما دفعهم اليوم يائسين أن يمارسوا نفس اللعبة التي كان يلعبها المخلوع حينما يريد أن يصرف الناس عن قضاياهم الرئيسية.
ولعل قضية زواج الصغيرات التي أقرتها فنية الحوار ليست وليدة اليوم بل هي القضية الأولي التي حاول المخلوع من خلالها صرف الناس عن التغيير وهي القضية الأخيرة التي يريد من خلال دعاته المتبنون لها أن يجروكم إلى الميدان الذي يريدون علهم أن يصلوا من خلالكم إلى تحقيق أعظم هدف ينشدونه وهو صرف الناس عن أهداف ثورتهم وعن المطالبة بتحقيقها لتصبح الثورة مختزلة في زواج الصغيرات، ليخرج لنا هؤلاء ـ إن أفلحوا ـ من ميدان معركة زواج الصغيرات منادون بإنقاذ الثورة فقد خانها أصحاب العمائم بتحويلهم لها إلى ثورة لأجل الزواج بالقاصرات الصغار.
أخيراً: يجب أن يعي الجميع أن نجاح الحوار الذي يعتبر مدخل التغيير المهم مرهون بمدى وعي القوى الثورية والداعمة والمؤيدة للثورة بأولوياتهم الثورية، فالوعي المرتكز على الأولويات طوق نجاة الثورة ومؤشر مهم من مؤشرات النجاح.
نجيب أحمد المظفر
حوار لا خٌوار 2321