أسرفت الحضارة في تصوير المعنى الحقيقي للفن، مستخدمة الإعلام كوسيلة فعالة لإجراء عملية غسيل عقلية لأجيال عريضة من الشباب والأطفال وربما الراشدين أيضاً.. والحقيقة أننا بحاجة إلى الفن فعلاً لكن ليس بهذا الشكل وهذا الزخم وهذا اللون الذي يخاطب الغرائز الراكدة ولا يحمل رسالة واضحة ولا يبني حدوداً أخلاقية متينة، بل هو على العكس تماماً من كل ذلك لدرجة أن تعمل بعض القنوات الفضائية على ترسيخ اتجاهات أخلاقية سيئة وربما شاذة عن سلوكنا الديني وعاداتنا المجتمعية، لترسمها طريقة للحياة وأسلوباً للمعيشة عبر الترويج لها في إعلانات تجارية، فنية، مدروسة، تخاطب عقلية فارغة لتتمكن منها وتستحوذ عليها وتقودها نحو هاوية الشهرة أو الإفتتان بهذا العالم البراق شكلاً والمغمور بالغواية مضموناً، ذلك العالم القريب من نجوم الأرض مؤقتة السطوع والبعيد جداً عن نجوم السماء التي لا تتوقف عن مراودة الليل حتى تسطع الشمس!.. فهل نحن فعلاً بحاجة لمثل هذا الفن؟! وما هي الخدمة التي يقدمها لها الجيل؟! وهل وصل بنا الفراغ وعدم القدرة على التمييز والإنتقاء حد الجلوس لمشاهدة تلك البرامج الإعلامية الفارغة من أي مضامين إنسانية وأخلاقية؟! وما الذي يمكن أن يحدث لو أن ميزانية تلك البرامج تصب في خانة محاربة الفقر حول العالم وإنقاذ المعدمين في كل مكان ممن يمكن أن يبيعوا كرامتهم أو بعض أعضائهم أو حتى عدداً من أبنائهم ليحصلوا على رغيف جاف إدامهُ الذل والقهر والفاقة؟! ماذا يحدث لو أن تلك البرامج الضخمة تصبح أكثر ضخامة لتداوي مشاكل البطالة وعمالة الأطفال وتعنيف النساء مادياً وجسدياً ونفسياً؟! ماذا يحدث لو أن تلك الميزانية المعتمدة للترويج للباطل استخدمت من أجل الترويج للحق وفتح أبواب الحوار الحر والبناء بين مختلف الفئات والجماعات والطوائف الاجتماعية والدينية والسياسية؟! ماذا لو أن تلك الأموال التي تنفق لإحياء الغرائز أنفقت لسد باب الذرائع وتسفيه الدين والتقليل من شأن الأنبياء والرسل؟! هناك الكثير مما يجب أن تقدمه تلك الدول صاحبة أكبر وأضخم قنوات الإنفاق الربحي والمعتمد على تغذية إعلامية رائجة جداً ثقافياً ومعيشياً، فبإمكانها مثلاً إنشاء مشاريع إقليمية ضخمة داخل أو خارج حدودها الجغرافية للمساهمة في التخفيف من البطالة والحد من انتشار الفقر والقضاء على فكرة الإستهلاك الذاتي التي همشت دور استصلاح الأراضي واستغلالها الاستغلال الأمثل عبر زراعة المحاصيل التجميلية العشبية التي توظف أكبر قدر ممكن من العمالة الفائضة من عمال ومتخصصين في كيمياء النبات ومشرفين فاعلين، وأعتقد أن اليمن وبعض دول الجوار من أكثر المناطق المشهورة ببعض المحاصيل التجميلية النادرة التي يمكن أن يحقق استثمارها نجاحاً كبيراً على المستوى الإقليمي والعالمي وفق رؤية تجارية متوازنة تسعى لتحقيق شراكة إنسانية على مستوى عالٍ من النضج والمسؤولية.
نحن بحاجة لمشاريع تستثمر كنوز أوطاننا وتمؤمن بطاقات أبنائنا وقدرتهم على الإبداع والتميز ولسنا بحاجة إلى من يشتت الإنتباه ويحجم مساحة البناء أو يساهم في تقويض بيئتنا الثقافية والاقتصادية، لنترك أصحاب الحناجر الذهبية لأهل الدعة والراحة والترف، ولكل من لا تعاتبه نفسه ولا يؤنبه انتماؤه للإسلام أن يظل حبيس هواه وأسير رغبته والعالم من حوله يدور أسرع من دوران الأرض حول نفسها!
ألطاف الأهدل
هل نحن بحاجة إلى الفن؟! 2106