تصفعنا بعض أعمدة الصحف كل يوم بمضامين سياسية واجتماعية مغلوطة، لا يقصد أصحابها إظهار الحقيقة بقدر ما يقصدون إخفاءها بطرق بلاغية أو علمية أو فلسفية متوترة قد تصل إلى درجة تغيير المبادئ وتشويهها وفق قاعدة الغاية التي لا تبررها كل وسيلة!.. ومن العيب حقاً، بل من الظلم أن نتعامل مع عقول الناس وكإنها حاوية مهملات، لأن لكل إنسان طريقته الخاصة في استيعاب ما يكتبه أو يقوله أو يفعله الآخرون.. ولهذا نقول إن الإنسان كون مستقل عن هذا الكون الكبير، لأن عقله عالم آخر لا يعلم ما يدور بداخله إلا الله.
ونشدد دائماً على القول إن الكتابة ليست مهنة أو حرفة أو أداة وصول إلى غايات منشودة، بل هي رسالة لا يمكن أن تصل إلى قلوب الناس إلا إذا حُفت (بضم الحاء وتشديد الفاء) بأمانة التبليغ ووقفت على معايير التبشير، لأنها ستؤثر حتماً سلباً أو إيجاباً في عقول الناس وستدفعهم للتحقق من صحة المضمون أو إثباته بطرق عملية قابلة للانتشار السريع ولكم أن تتخيلوا ما الذي سيحدث في حال كانت تلك الطرق الرامية لفهم المضمون والتعبير عن استيعابه طرقاً تخريبية، عنيفة، بعيدة عن العقلانية.
لهذا نقول لابد من القراءة، ليس فقط لأنها غنية بمخزون لفظي يساعد حتماً على اختيار المفردات الصحيحة للتعبير عن حدث ما وليس لأنها السبيل الوحيد للحصول على جوانب مضيئة قد تساعد في رسم الحقيقة بشكلها المتكامل، إنما لأنها المخرج من مأزق المسؤولية الدرامية التي تقع على كاهل المرء منا حين يقف مسئولاً أمام الله عن ما كسبت يداه.
إن أقلامنا هي حبر أرواحنا وما تسوقه هذه الأقلام من أسطر قد لا يعيها الآخرون جريمة في حق أنفسنا، ومن واجب كل كاتب أن يتحرى حبر روحه ويخلص النية فيما يكتب، فالوضع اليوم لا يحتاج لعرض أو تنقيح أو فرز أو استخراج أدلة، لأن الواقع شاهد على كل شيء والمجتمع اليوم ليس هو مجتمع الأمس.
ومن هنا يجب أن نتناول قضايانا ومشاكلنا الاجتماعية والسياسية بشيء من العقلانية وصحوة ضمير وأن لا نحول كل موقف حي إلى لُغم قابل للانفجار في مكان آخر، ولا تنسى أننا أمام تغيرات إستراتيجية هامة وأن هناك من يتربص بهذا الوطن ولهذا كان واجباً على كل كاتب أن يقرأ عن كل ما يريد أن يتناوله خاصة حين يتعلق الأمر بأحداث أو أشخاص أو جهات، إذ لا يجوز أن نجعل من التشهير بالآخرين فرصة للشهرة التي نريد تحقيقها، ويجب أن نعلم أيضاً أن الوضع اليوم متقلب جداً وغير قابل للنقد اللاذع والغربلة الجائرة، بل إن الوضع بحاجة ماسة لتقويم أخلاقي وتقييم اجتماعي وعلى أصحاب الأقلام الجافة أن يشحنوا أقلامهم بحبر الروح وأن يخلصوا النوايا ويعلموا جيداً أن أيدينا ستشهد غداً علينا إذا صمتت الألسن وجاءت لحظة الحق الذي لا يشوبه باطل.
ألطاف الأهدل
حتى تكتب يجب أن تقرأ 1687