يرى الإنسان في نومه ما لا يراه في يقظته ويرى في يقظته ما لا يراه في نومه، فكتلة المشاعر والأحاسيس المتفاعلة في يقظة الإنسان قد تخلو من الصور، بينما تصبح تلك الصور الغريبة والواقعة خارج حدود تصورنا في حلم ما مشحونة بالمشاعر والأحاسيس، قد تتحول أحلامنا إلى واقع لكن واقعنا قد لا يختزله حلم، قد نسقط الأحلام بظلالها على أحداث محيطنا بينما تبقى أحداث الواقع إجابات من أسئلة صاغتها دراما الأحلام التي نراها كثيراً ولا نعرف معناها، الأحلام تلك المساحات المضيئة في ظلمة ليالٍ حالكة، وهي تلك الرسائل الواردة من عالم مليء بالغموض والدهشة إلى آخر لا يقل عنه غرابة، لكن من منهما يترجم الآخر؟ من يسبق الآخر؟! من منهما يفسر حدوث الآخر؟! هذه الأشياء والتساؤلات تبقى مؤطرة بعقد المشيئة ومكللة بسلسلة التواتر الطبيعي لمشاهد الحياة من حولنا سواء ما كان منها مدموغاً بالصوت والصورة أو ما كان رؤية محفوفة على أكف المستقبل القريب أو البعيد.
وهناك خلف هضبة النوم وعلى بساط أخضر جميل ترعى قطعان الأمنيات، غير آبهة بعالم تتحرك ذراته على مدار الساعة دون توقف بينما تغط تلك الأعين في نوم عميق يكاد يكون موتاً مؤقتاً تعقبه حياة مؤقتة.
نشعر فعلاً بروعة الأحلام حين تصبح حقيقة ولكننا نبقى أسرى الانتظار حين تبقى الحقيقة مجرد حلم والخيط الرفيع بين هذا أو ذاك هو المشيئة السماوية التي تبقي الحلم حلماً والحقيقة حقيقة وفق آلية إرادية نافذة لا يستطيع لها الإنسان وصولاً، إلا من يشاء الله رب العالمين.
ويبقى جمال الأحلام أن تبقى أحلاماً ورؤى مصورة على مسرح الخيال الصامت بين دهاليز الذاكرة أو على منابرها، وفي نهاية المطاف.. الرؤى حق لأنها رسائل من عالم الحق ولأنها وصلت إلينا عبر مدرسة القرآن الكريم في إبداع صورة تصويرية رمزية في سياق سورة يوسف عليه السلام التي جعلت من الرؤى وتفسيرها علماً مستقلاً بذاته.
أضغاث أحلام نراها كل يوم وليلة تخالط ظنوننا أو تثبت مصداقية توجهنا نحو مشاريع الحياة أو تصقل إرادتنا بشيء من الجدية أو تثنينا وتدفعنا أو تمنعنا من استشعار الخطر القادم من الغيب، إنها فراشات مجنحة بالقدرة على البقاء أو الرحيل وفن المعقول واللامعقول في عالم متوازن من الصور الصامتة والمتفجرة بالإثارة في نفس الوقت.
الأحلام والرؤى منابر للروح كما هو العقل منبر الفكر وكما هو القلب منبر للأحاسيس والمشاعر الشفافة والمنطلقة نحو الفطرة بكل ما أوتيت من قوة تعبيرية قادرة على أسر المستحيل وتقييد اللاشيء الذي يدفعنا أحياناً لركوب موجة الوهم والتشدق بحمى الأنا الفارغة من التمييز بين حاضر وماضٍ يتلاشى كلاهما على طاولة البقاء مهما كان مغلفاً بالاستمرار.
ألطاف الأهدل
أضغاث أحلام 2151