قيل الكثير عن جمال النساء الخارجي والذي أصبح هماً وفناً في آن واحد، هماً للنساء اللاتي يفرغن جداول أعمالهن اليومية من أي التزامات زوجية أو أسرية أو وطنية سوى أنفسهن المتمثلة بمساحة شاسعة من الجلد تسكنها أعضاء مرنة قابلة للتعديل وفق المزاج الثقافي الشائع وعلى أساس علمي رفيع المستوى مادة، ولكنه وضيع المعنى قيمة وأسلوباً وفن حين يكون لهذا الجمال ساسة ومرشحون ومنتخبون وخدماً، وحين يصبح له أيضاً مهندسون ومرممون وسماسرة وأفكار كثيرة مفروشة بالتجديد ومغلفة بالجاذبية.. وكل هذا في سبيل الوصول إلى حالة من الرضا النفسي المعقول في أضيق حدوده وأوسعها على حد سواء، لكن ما قيل عن جمال المرأة الروحي قليل جداً أمام هذا الزخم الإعلامي المحتشد أمام خاصرة نحيلة وصدر ناهد وشفاه مكتنزة.
جمال الروح فن لا إرادي تتقنه بعض النساء إلى درجة الاحتراف وتتحاشاه بعضهن إلى درجة الانحراف والنتيجة جاذبية فكرية لا توصف لدى بعضهن ونفور مقزز لدرجة القرف لدى البعض الآخر منهن، وهذا ما يفسر جاذبية النساء في أربعينيات العمر أو حتى خمسينياته، وصولاً إلى السبعين دون أدنى مبالغة.. جمال مصبوغ بالوقار والعقلانية، مخالبه الملونة أقلام ورؤى وخيوط خفية تحرك المشاعر دون أن تبعثرها وتبحث في ركام الذاكرة دون أن تتلف مقتنياتها، تصول وتجول على مضمار الكلام بسلاسة الخطيب الماهر و المفكر الحصيف والراقص الذي يؤدي حركاته المدروسة في تزاوج غريب بين آلة جامدة وجسد متحرك.
نساء يقرأن وجوه الناس كما تقرأ تلك الكاهنة فناجين الحب على مائدة الهوى، نساء تتقاطر ألسنتهن شهداً وتبتسم أحرفهن ابتسامة الوجل المحفوفة بالسكينة في خطاب الحواس مع جليس بين أيديهن لا يملك من أمر نفسه إلا أن يقول: نعم.
هناك الكثير مما لم يقل عن لون الكلام، ونكهة الحروف، ورشة الترف التي تضيفها بعض النساء وهن متحدثات بسخاء دون أن يشعرن ودون أن يملك المستمع حرية الصمت أمامهن أو حتى حرية الكلام، لم يتحدث أرباب الصنائع النسائية عن شفاه تبحث عن لون العدل وخدود جائعة للمسة الحقيقية وأنف يشتم رائحة المستحيل ويستطيع استنكاه الممكن وغير الممكن دون أن يكون بحاجة لجسور تقويمية أو عمليات ترميم ساخنة توقفه كجسر أثري جميل، لكنه آيل للسقوط.
أصحاب تجارة الأبدان لا يتحدثون عن جاذبية قوامها عاطفة وفكراً وقدرة على الاحتواء وأمومة لا حدود لها، وأنوثة بحجم الكرة الأرضية دون أصباغ ولا مساحيق ولا عمليات شد وشفط ورسم وتحديد.. هؤلاء لا يتحدثون عن امرأة جسد ومفاتن وزوايا ضيقة يمكن أن تكون مسكونة بالعفونة أمام زوايا تتغشاها العفة ويسكنها الطهر وتحفها جاذبية الشرف والبراءة من أدران الغواية.
ألطاف الأهدل
ما قيل وما لم يُقل.. 2081