تشبه الحياة فعلاً ذلك النوع من الرياضة المتمثل بقفز الحواجز التي ترتفع تدريجياً وفق اختبارات رياضية معينة، وتجاوز تلك الحواجز لا يتوقف على رشاقة الخيول المتدربة سلفاً على تخطي الحواجز على مختلف ارتفاعاتها، بل يتوقف أيضاً ـ وبدرجة أساسية ـ على مهارة المتسابق الذي يمتطى ظهر الجواد ويستطيع تحديد اللحظة الحاسمة التي يشد فيها من حبل الجسارة والوثوب على جسد الخيل ليدفعه إلى القفز بمهارة وخفة دون إسقاط الحاجز أو التعثر به والوقوع في فخ الفشل والمحاولة من جديد.
دائماً تقف في طريقنا تحديات ودائماً نتجاوزها لتقف في طريقنا تحديات أخرى أكبر، هذه التحديات أو المهام الجبارة التي نتجاوزها عبر وثبات بطيئة لا تشبه بالتأكيد وثبة الحصان هي الحواجز التي نعلن بعد تجاوزها أننا نجحنا في الوصول ومستعدون للبدء من جديد، والذي لا يدركه الكثير من الناس أن فترات من الدعة والسكينة والهدوء تتخلل حياتنا كمحطات لالتقاط الأنفاس وهي الفترة التي وضعها الخالق سبحانه لنستطيع بعدها الوقوف أمام حواجز أخرى جديدة قد تكون أعلى وأقوى وأكثر خطورة، والحقيقة أننا كلما منحنا أنفسنا وقتاً كافياً لأخذ قسطٍ وفير من الراحة كلما استطعنا تجاوز تلك الحواجز بسهولة وإرادة ويقين كامل بالنجاح ولهذا كان من الضروري جداً أن يأخذ الإنسان مساحة كافية للتفكير واختيار النفس وإدراك حاجتها للتجاوز وطاقتها الكافية للوصول إلى ساعة صفرية خالية من الحسابات الفاشلة التي يقف التردد في الرأي على رأسها.
إن تلك الخلوة الفردية التي يعيشها الإنسان مع نفسه كفيلة بمنحه وسام الجرأة والتواصل مع الذات وتحديد محاور البحث عن احتياجات المرد الضرورية بعد معرفة جوانب الضعف والقوة فيها وهذا ما يدفعنا للانطلاق بقوة غالباً بعد كل إجازة قصيرة تلتهم حواسنا لحظاتها دون أن نشعر أو نعي حاجتها لتلك الخلوة.
للحياة سباق مع الموت تؤمن فيه الحياة أن الموت يسبقها في كل مرة ومع هذا فهي لا تنسحب أبداً وإنما تبقى واثبة فكرة الوصول من عدمه بل يجب أن نعيش سلسلة محاولات عملاقة لنصل إلى تلك الوثبة التي تصور مشاعرنا بالحركة البطيئة ونحن نجتاز آخر الحواجز لنصل إلى القبر.. إنها آخر وثبة يؤديها الإنسان غافلاً عن كل شيء إلا الموت!
ألطاف الأهدل
الحياة... قفز حواجز 2036