كلنا يحب التحلية ويعتبرها ضرورة لإكمال حاجته من الطعام لكننا نختلف فقط في أنواع الحلو الذي نحب أن نتناوله بعد وجبات الطعام خاصة وجبة الغداء كونها الوجبة الأكبر والأكثر دسماً وغنيَّة بالتنوع في أصنافها غير المحصورة بمواد غذائية بسيطة وخفيفة كما يحدث في وجبتي الإفطار والعشاء، فمنا مثلاً من يحب التحلية بنوع من أنواع الحلوى الشرقية "بسبوسة، كنافة، بقلاوة، بلح الشام، قطائف، زنود الست..." ومنا من يهوى التحلية بالطريقة البلدي التي تعتمد على كوب من القهوة السادة مع قطعة من خلطة الهريسة باللوز أو طحينية السمسم أو أي نوع آخر من أنواع الحلوى محلية الصنع.
وبعضنا الآخر يعتمد في نظام التحلية الخاص به على أنواع مختلفة من الفواكه خاصة البطيخ والباباي والشمام وما إلى ذلك من الفواكه المحلية الدائمة والمتوفرة في وطننا تحديداً على مدار العام.
نظام التحلية هذا يعكس شخصية الإنسان ويحدد مستوى ثقافته الغذائية ويعطي الآخر صورة واضحة عن أنماطه السلوكية المتعددة والخاصة بتناول الطعام ومدى تمتعه بخصوصات مزاجية بسيطة ومتنوعة تميز احدنا عن الآخر في تذوق الطعام والاستمتاع به والتعامل مع وجباتنا الغذائية بطرق راقية كماً وكيفاً، لا يهتم الكثير من الناس بتنويع غذائه والحصول على الحلوى الذي يغلق باب شهيتنا المفتوحة أمام تناول المزيد من الطعام، فالمعروف أن الوجبة الواحدة يجب أن تحتوي على كافة العناصر الغذائية الأساسية من بروتينات ونشويات وفيتامينات والقليل من الحلو الذي يحفظ توازن الجسم ويعدل حالة المزاج، وهذه الثقافة الغذائية تنعكس بشكل إيجابي على سلوكيات أخرى تدل بشكل أو بآخر على وجود ذلك الذوق الراقي والمميز في العامل مع الطعام كمتعة ونعمة كبيرة لا يمكن أن تحصر شكرها كل مفردات الثناء الجامدة التي ننطقها دون أن نعلم معناها الحقيقي والمرتبط بسلامة القلب والحواس وكل ذرات الجسد المتحركة بروح الله.
تعمدت أن أغرق عمودي اليوم ببعض الحلو لأن لدي عقيدة راسخة بأهمية التأطير العملي والأدبي والاجتماعي وحتى الغذائي، لا تتركوا قضاياكم الهامة مفتوحة أمام الملابسات والقرائن ولا تسمحوا لها أن تكون مزاراً للظنون، أغلقوا ملفات حياتكم، كما تغلقوا شهية التهام الطعام ببعض الحلو ولا تنسوا أن تكونوا أكثر رقياً في اختيار توجهاتكم المعبرة عن حسن نواياكم والمؤكدة لصدق عزائمكم تماماً كما تحرصون على اختيار الحلو اللذيذ الذي يعطي الآخرين على المائدة أفضل صورة عن ذوقكم الراقي في حبس الرغبة بالمزيد من الطعام عبر قطعة جاتو مشربة بالكريمة أو حبات متناثرة من لقمة القاضي الغارقة في عسل النمل "السُكر" أو طبق من البودنج البيتي الفاخر ذو الخمسة نجوم أو شيء من الفاكهة المغمسة بالحليب المكثف أو كأساً فضفاضة من الآيسكريم بالمكسرات.. ولكم أن تضعوا أنفسكم حيث شئتم إذ إنني لم أشأ من طرف عمود اليوم إلا أن أقول ((أختموا أعمالكم بالصالحات)) حتى لا يتحول الحلو إلى مُر...
ألطاف الأهدل
الحلو المُر.. 1889