يشكو مجتمعنا اليمني من الكثير من المظالم الأسرية التي لم يستطع القضاء ـ وحتى يومنا هذا ـ الوقوف عليها موقف عدالة وصدق وإنزال حقيقي لحكم التشريع الواضح الذي جاء به كتاب الله مفنداً ودقيقاً وواضحاً، لكنه ـ وبكل أسف ـ لا يجد من ينقله إلى الواقع ويعرفه بشكل عملي ملموس يحاكي أوجاع الناس ويتلمس احتياجاتهم ويكون سبباً في عدم الوقوع في هاوية الانحراف والبحث عن هوية أخرى تخرجهم عن ملة الدين الحنيف.
تلك المظالم هي مظالم الأسرة الخاصة بالمرأة والطفل وما يؤول إليه مصيرهما بعد حدوث الطلاق كأبغض الحلال بعد استحالة الحياة الزوجية بين الرجل والمرأة، لكن ما يحدث اليوم من زواج وطلاق بالإكراه وبأشكال تعسفية عديدة جعلت من الطلاق جريمة يستحق مرتكبوها العقاب لأنهم يفعلون ذلك عميً وصمماً وغطرسة ونكاية بنساء وأطفال لم يكن لهن ولهم ذنب إلا أن شاءت لهم أقدارهم الوقوع بين يدي هؤلاء المفلسين من كل معاني الإنسانية واحترام الذات، محاكم الأسرة الغائبة تفشل أن تكون في النور والقضاة يحفرون قبورهم بمخالب الرشوة والتحيز لصالح الرجل الزوج والمحامون الذين يرتدون عباءة المحاماة الطاهرة يلوثون تاريخهم باستخدام القانون كوسيلة تحكيم وليس كأداة حكم أو تطبيق فعلي للأحكام.
فإذا كان قضاؤنا قد فشل في الحد من معاناة النساء المطلقات وأطفالهن، وإذا كان القانون يعجز عن الأخذ بيد الضعفاء من أفراد المجتمع (النساء والأطفال)، وإذا كان الحاكم ـ الذي بيده أمر المسلمين وعلى عاتقه أمانة الوصول بهم إلى بر الأمان ـ عاجزاً عن الضرب بيد من حديد على رؤوس من يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين... فأين يمكن إذاً أن نجد العدالة؟ أين يمكن أن نجد الإنصاف من هؤلاء الآباء الذين ضيعوا من يعولون عمداً وقصداً وعن سابق إصرار؟
حري بجميع الخريجين من أقسام الشريعة والقضاء والمحاماة أن يؤلفوا اتحاداً يعيد الحق إلى صاحب الحق دفاعاً عن حريات مسلوبة وحقوق إنسانية منهوبة أقصاها حق الطفل أن يعيش حياة نفسية هادئة حتى بعد حدوث الطلاق وأدناها أن يحصل على نفقات معيشية جيدة تساعده على العيش والكرامة دون أن تدفعه حاجته لسؤال الآخرين.
لقد وجدت من خلال عملي في إدارة الدفاع الاجتماعي في مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل خلال زياراتي لدور الأحداث والطفولة الآمنة ودار الرعاية الاجتماعية وعبر تعاملي مع أولئك الأطفال الذين كانت الشوارع مأواهم الوحيد أن أغلبية ساحقة منهم نتاج لانفصال أبوين وانشغال كل فرد منهم بحياته الخاصة أو عجزه عن الإنفاق على هؤلاء الأطفال ورعايتهم، ولهذا أقول إن هؤلاء الأطفال في الشوارع وعلى أرصفة الضياع وبين أيدي الذئاب البشرية سيظلون معلقين في ذمة ولاة الأمر إلى يوم الدين ابتداءً بآباء لا يعرفون عن الزواج إلا أنه تفريغ لجرابهم المشحونة بالشهوة، وحاكم دولة لم يستطع تحقيق سلطة القانون، وقضاة قال عنهم الرسول الأعظم (قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة). ومحامين يعملون كمصيدة الفئران وخريجي شريعة تئن جنبات منازلهم من سطوة الظلم وانعدام الضمير، فعلى كل أب أن يتذكر قول رسول الله (ص): (كفى بالمرء إثماً أن تضيع من يعول) وعلى كل رئيس دولة أن يعلم أن (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) وعلى كل قاضٍ أن يفهم أن (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) وعلى كل محامٍ يلطخ عباءة المحاماة بالمحاماة عن موكلين ظلمة أن يعي قول الله تعلى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون)، ولكل من اعترض على حقوق المطلقات في نفقة الرعاية والحضانة أن يقرأ سورة البقرة من آية (221) وحتى (242) والله المستعان إن كان ما يحدث في مجتمعنا يصدر من مسلمين يشهدون بوحدانية الله ويؤمنون بنبوة محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم.
ألطاف الأهدل
كثُر القضاة والعدالة غائبة 1955