;
د. محمد البنا
د. محمد البنا

الثورة اليمنية وحكمة الدكتور ياسين 1712

2012-11-01 23:44:43


بعد عام على قيام الثورة الشبابية السلمية في اليمن، كتب الدكتور ياسين سعيد نعمان مقاله المعنون 'إشكاليات من واقع ثورة الفرصة الأخيرة' والذي يعطي إجابات شافية ووافية للكثير من التساؤلات المهمة حول طبيعة التحولات التي تمت في مسار الثورة، والتي يمكن الخروج منها بالدروس التالية:
الدرس الأول: وجوب ترسيخ قيم الثورة بالتربية والحوار والتفاهم واحترام الاختلاف، عبر مقومات الإقناع والتغيير الداخلي بأدوات ذاتية. (إن الفكرة الكبرى ذات البعد الإنساني إذا لم تمتلك مقومات الإقناع والتغيير من داخلها وبأدواتها الذاتية فإن فرضها بالقوة يؤدي بها إلى عدم الاستقرار). لذلك فان على هذا الجيل الاستفادة من الأخطاء وفتح قنوات فاعلة مع العلم والمعرفة والفن، وأن يتحاور بهدوء وبعمق، ويعبر باليمن فوق الأيديولوجيات الجاهزة، ويغادر نزق وأمراض النخب السابقة وصراعاتها وحساباتها وقناعاتها التي خسرت الماضي وليس لديها مانع في أن تخسر الحاضر والمستقبل، وأورثتنا وطنا غير مستقر ومعطل الإمكانيات، تسوده نزعات التفكك.
الدرس الثاني: وجوب المحافظة على النجاح الذي حققته التجربة الثورية اليمنية الجديدة في التخلص من فخ العنف على الرغم من توفر شروطه وعدوانية النظام وهمجيته التي هدفت إلى جر الجميع إلى الحرب. لقد فرض هذا النجاح على قوى الثورة التمسك بالخيار السلمي والسير في طريق التسوية السياسية التي من مهامها انجاز عملية التغيير وانتقال السلطة سلمياً. لذلك فمن غير الصواب اختزال المعركة مع بقايا النظام السابق في مفهوم المحاسبة دون الالتزام بقيم الثورة وأهدافها، لتتحول المحاسبة إلى مجرد انتقام يعطل المصالحة الوطنية المعتمدة على العدالة الانتقالية والمستندة إلى المبادرة الخليجية التي تشتمل على بند الضمانات كشرط رئيسي للتخلي عن السلطة، وعلى أساس تحقيق المصالحة الوطنية بالاستناد على ما يعرف بالعدالة الانتقالية. فتعثر المسار السياسي ناجم عن كون أصحاب المبادرة الخليجية التي شكلت المرجعية الأساسية للمسار السياسي، لم يكونوا هم الحامل الفعلي لها والضاغط بقوة على الأطراف المختلفة مما سهل على النظام السابق المناورة والتملص من الالتزامات، ساعده في ذلك كون الولايات المتحدة الأمريكية بنت علاقتها معه على أساس عنصر حيوي بالنسبة لها وهو مكافحة الإرهاب، وأنشأت لهذا الغرض أجهزة بإمكانيات وتجهيزات كبيرة ومهمة وحيوية حديثة تجاوزت في نشاطها اليمن إلى محيط أوسع، حيث أصبح من أولوياتها الحفاظ عليها كي لا تؤول إلى أيدي غير 'أمينة'.
الدرس الثالث: وجوب الحذر من الأصوات الصاخبة التي لا سقف لها، فأصحاب هذه الأصوات لا يستقرون على حال، ويتحكم بهم الغضب، وتتملكهم الحماقة التي تجعلهم يرون كل شيء خاطئاً طالما أنهم لا يتصدرون المشهد، وفي نهاية المطاف يستقرون في حضن الخصم. فالكثير من الثورات عانت من هذه الظاهرة باعتبارها العاهة المخادعة التي لا يتم اكتشافها إلا وقد دمرت الثورات، حيث رصدت الكثير من التجارب الثورية أن هذه العاهة كانت السبب الأساسي فيما أصابها من انتكاسات. ففي اليمن أنتظر قطاع واسع من المثقفين والنخب، تطور الأحداث ليروا ما ستؤول إليه الأمور، وتحول بعضهم إلى أدوات بيد الأجهزة القمعية لترويض الجماهير على قبول الاستبداد ومخرجاته والتعايش معها ونبذ فكرة مقاومتها وزرع اليأس في نفوسهم من إمكانية التغيير، ساعدهم في ذلك عدم تمكن قوى الثورة من إدارة خلافاتها بالتناغم مع القيم الثورية الوليدة. إضافة إلى وجود قوى اختلفت مؤقتاً مع النظام في حدود معينة، ووجدت نفسها في خندق الثورة، فأعادت إنتاج خلافاتها بصورة جديدة من الصراعات والاحتيال على المسار الثوري عبر البحث عن حلول لمشكلاتها بصورة مستقلة عن قضية التغيير الحقيقية مما أعاد لبقايا النظام قدراً من توازنه الداخلي.
الدرس الرابع: الأخذ بعين الاعتبار وضعية موازين القوى محلياً وإقليميا ودولياً. ففي الحالة اليمنية كان اختلال موازين القوى يصب في صالح قوة لم تعد تهمها قضية تتفكك الدولة اليمنية أو انهيارها، فراحت تنهك البلاد والعباد وتنتج عوامل انهيار الدولة حتى بعد تفكك النظام السابق. فبقايا النظام السابق تحصن خلف ترسانة السلاح الذي كدسه، وسيطر بالكامل على الموارد المالية التي راح ينفقها في إرهاق الشعب اقتصادياً وأمنياً، واستنزاف موارد البلد من محروقات وكهرباء وماء، وتشجيع المشاريع التفكيكية وتأجيج بؤر الصراعات الداخلية ودعمها بالمال والسلاح وتسليم مناطق كاملة لمسلحين مجهولين الهوية.
من الدروس السابقة للدكتور ياسين، نخلص إلى أن الوضع اليمني له خصوصية متميزة برزت بشكل واضح خلال ثورة الشباب السلمية عام 2011م ومنها:
1) إن الشعب اليمني شعب حضاري متمدن مسالم، قادر على حمل السلاح والسيطرة العقلانية عليه، وأثبت للعالم خطأ الفكرة التي تم ترويجها عنه من إنه شعب متخلف غير حضاري لا يفقه سوى لغة السلاح والموت.
2) إن الشعب اليمني شعب حضاري مسلم، يحترم المرأة ويقدرها، كما إن المرأة اليمنية ذاتها ليست بأقل من أخيها الرجل، بل هي نداً له وقد تتجاوزه في البذل والتضحية والفداء.
3) هناك العديد من الأطراف الإقليمية والدولية لها مصالحها الخاصة، ومن مصلحتها جعل اليمن واليمنيين في الحضيض وتشويه صورة الشعـــب اليمني حضارياً وثقافياً وتقديم نفسها على أنها الملاذ الأخير والمنقذ له من التخلف والانحطاط حتى تستطيع إيجاد موطئ قدم لها في الموقع الاستراتيجي لليمن.
4) هناك أطراف محلية استطاعت استثمار بعض المميزات غير الحقيقية عن الشعب اليمني مع مصالح بعض القوى الدولية في المنطقة، من اجل الاستئثار بالسلطة لنفسها والكسب غير المشروع وغير الأخلاقي منها ومن عرق ودم الشعب اليمني.
لذا فإن الخطاب الأخير للدكتور ياسين قد حاول مرة أخرى إعادة التأكيد على تلك الاستخلاصات، بل وقدم نموذجاً يحتذى به في التخاطب مع الخصوم قبل الأصدقاء. لكن الواقع اليمني يظل كما هو، إطرافً تتقبل النقد وتعمل على تحسين أدائها وإطرافً أخرى لا تتقبل النقد وتواصل السير في الاتجاه المعاكس. لذلك لا يزال المواطن يعاني من الألاعيب السمجة للأطراف التي فقدت مصالحها، ومهاجمتهم لحكومة التوافق السياسي باستخدام الورقة الأمنية والاقتصادية التي مازال يسيطر عليها ذلك الطرف مع بعض التعديلات في السيناريوهات المستخدمة.
ففي السابق كانت الاختراقات الأمنية تستهدف الخصم وتؤثر فيه بشكل متكرر حتى أصبحت مكشوفة، أما ألان فصارت الاختراقات الأمنية تستهدف نفس الطرف دون ألإضرار به إبعادً للشبهة. كما صار الحديث عن الأمن والأمان شغله الشاغل دون حرمات حتى في أيام العيد. في الجانب الآخر وجدت تلك الأطراف إن أعمالها التخريبية للبنية التحتية لم تحقق التأثير المطلوب، فانتقلت إلى مهاجمة تقصير الحكومة متناسية عمداً وجودها في تلك الحكومة وشراكتها الكاملة في إدارة كل مفاصل الدولة.
فهل يتعظ الخصوم ويأخذوا العبرة من التجربة التي خاضوها عبر أكثر من ثلاثين عام إلى الآن؟ هل يمكن لهم أن يتناسوا أحقادهم وحقاراتهم من اجل الوطن والمواطن؟ ألا يشعر هؤلاء بأن معركة البناء أبقى لهم ولمجتمعهم من معركة التدمير والفشل؟ ألا يشاركني القارئ العزيز بأن التنافس في خدمة الوطن والمواطن هو عنوان هذه المرحلة، من يكسبها بالقول والعمل يكون هو المنتصر الفعلي، ومن يدعي الحرص على مصلحة الوطن والمواطن ويهاجم نفسه عبر مهاجمة الحكومة التي يشارك فيها دون أن يقدم شيئاً ملموساً على تفرده بأي إنجاز حقيقي يلامس مصلحة الوطن ومصالح المواطن، فإنه الخاسر الفعلي لا محالة؟.
القدس العربي

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

خالد الرويشان

2024-09-28 00:47:57

المارد والقمقم!

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد