بينما كنت أقوم بغسل أوراق القات لوالدي وأخي يقف بجواري, قلت له: من متى كنا نغسل القات وننشفه بالنشافة؟.
قال: تطورنا.
قلت له: تدهورنا.
والمتأمل في حياتنا اليومية يجد أنه لم يتطور في حياتنا غير التدهور ولم يتقدم سوى التخلف.. تطورت طقوس القات فأصبحنا نغسله ونستخدم النشاف لتجفيفه، وأصبح له مجالس فاخرة واستراحات ساحرة ويصاحبه الشيشة والباورهوس ومشاهدة القنوات المشفرة، تطور الزنا وأصبح علاقة عاطفية، وتطور الخمر وأصبح مشروبات روحية، تطور الربا وأصبح فائدة بنكية.. تطورنا في العبادة فأصبحنا نقتل بعضنا البعض باسم الدين وتحت ستار الجهاد في سبيل الله تعالى.. تطورت البدع وصار لها مزارات وأضرحة وقنوات، تطور الصراع المذهبي وأخذ الطابع الدموي.
بعض صديقاتي من ذوات التوجه الديني اكتشفت أنهن تطورن، لأنهن بدأن يسمعن الأغاني الماجنة ويشاهدن المسلسلات، وينتفن الحواجب ويلبسن الكعب العالي وخلعن الجلباب وكشفن الوجه لأن كل ذلك من وجهة نظرهن هو عين وقلب ورئة التطور..
تطور العهر والسفور وأصبح له منتديات وقنوات وصحف ومجلات وجمعيات ومنظمات تدافع عنه ووزارات ترعاه.. تطور الأدب العربي حتى صار قلة أدب وصرنا نسب الدين والأنبياء والصحابة على صدور الصحف والمجلات، تطورت الثقافة وأصبحت سخافة ولقافة.. تطورت السياحة وصارت عهراً وانحلالاً ومتاجرة بالأعراض.
كانت المعاكسة في السابق تقتصر على الصفير وإلقاء بعض كلمات الغزل على مسامع الفتيات وتطورنا وأصبحنا نعاكس عبر النت والبلوتوث بالصوت والصورة..
تلبس البنت ثياباً تصف وتشف كاسية عارية متشبهة بالكافرات, فإذا عاتبتها الأم: ليش يا بنتي.. قالت: تطورنا.. يخرج الولد وقد لبس ثياباً تشبه ملابس النساء, زاعماً أن هذا تطور.
تطور الزواج وأصبح هناك زواج سياحي ومسيار وزواج عرفي وزواج بالوشم وزواج بالكهرباء.. تطور الطلاق وأصبح عبر الـ "sms" وأصبحنا نقيم له الأفراح والليالي الملاح.. تطورنا وبدأنا نستخدم الأعيرة النارية والقنابل بدلاً من " الطماش" في الأعراس.. تطورنا في السرقة, فما عاد السارق يحتاج إلى تسلق البيوت وكسر الأقفال, فما على السارق إلا أن يفك شفرة ليسحب ما يريده من أي بنك.. تطورت النذالة لتجد صديقة تقوم بتصوير صديقتها يوم عرسها بكاميرا الجوال, ثم تعرضها على الإنترنت.. تطورنا في السواقة وتعلمنا التفحيط.. تطورنا واستبدلنا حليب الأم بالحليب النيدو..
تطور الخنوع والخضوع والاستسلام، ورضينا باليهود واعترفنا بهم وفتحنا سفاراتها في عواصمنا.. تطورت المعارضة العربية الوجه الآخر للسلطة لتصبح الوجه الآخر للعمالة وأصبحت تستعين بالأجنبي.
كانت المرأة واقفة بجوار محل تجاري لبيع الذهب وفجأة يظهر رجل ليقف أمامها ويأخذ حقيبتها ويلطم خدها ويقول: أنتِ طالق طالق, ليش تخرجي من البيت بدون إذني.. ثم يأخذ نفسه ويذهب، والمرأة تصيح وتولول سارق سارق وسط انبهار المارة، وكأن الرجل سارق بالفعل.
تطور التدهور وكل أساليب التدهور تطورت أساليب القتل والسرقة والنصب والاحتيال.. التطور عندنا هو سب الدين, التطور عندنا هو السفور والخلاعة, التطور هو العري والتعري, ولم يتطور فينا إلاّ التدهور ولم يتقدم إلاّ التخلف.. تقدمت الخيانة على الوفاء, وتقدم الانحلال على الحياء.. تقدم الجهل على العلم وتقدمت الرذائل على الفضائل.
أحلام القبيلي
تطور التدهور وتقدم التخلف 2058