تتحمل الأحزاب والمكونات الجيوسياسية وغيرها من قوى النفوذ في اليمن مسؤولية ما أصاب هذا البلد من تصدعات وما يعانيه حاضراً من توترات وانهيارات وما نتوقعه في قادم الأيام من انفجارات عنيفة فقد أخفقت هذه القوى ومكوناتها العصبوية في التأسيس لدولة توفر الحد الأدنى من الشعور بالأمان والاستقرار والعدالة لمواطنيها كما فشلت تلك القوى بنفس الدرجة في إيجاد صيغة تستوعب في هيكلها كافة الأطياف في المجتمع تحصل كل منها على دورها ومشاركتها في السلطة وفي عملية اتخاذ القرار بتلقائية دون الحاجة إلى الجنوح للعنف والصراع والاحتراب.
حين تفجرت عاصفة (الربيع العربي) عام 2011م نزل الفرقاء والمتباينون في التوجه إلى الساحات في واحدة من دورات الصراع على السلطة والتي صارت بحكم الأمر الواقع جزءاً من آلية العيش وتفاصيلها في اليمن وكما لو أن هذه الصراعات المفتوحة صارت قدراً وعلى الجميع أن يدفع ثمن استمرارها دونما مناقشة أو اعتراض وحينها تدخّل الأشقاء في الخليج لاحتواء ذلك الصراع عن طريق تسوية سياسية حافظت إلى حد ما على ماتبقى من السلم الأهلي وجنبت اليمن الانزلاق نحو حرب أهلية مدمرة لا يعرف مداها وبموجب تلك التسوية جرى طرح حاجة اليمن بمصفوفة من الإصلاحات لما من شأنه الخروج باليمن من دوامة الأزمات يقتضي اعتبار الإصلاح ضرورة تاريخية ومصلحة وطنية من أجل استعادة الثقة بين كافة مكونات الشعب وهو مادفع بالجميع للانخراط في حوار مفتوح استغرق أكثر من عشرة أشهر أفرغ فيه المتحاورون تشنجاتهم وهواجسهم وكان من حسنات ذلك الحوار أنه الذي انتهى باعتماد استراتيجية وطنية شامله للإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري وقد وصفت تلك المخرجات بأنها حل مرض لكل مشكلات اليمن قبل أن تصطدم هذه المنظومة من الحلول بمصاعب التطبيق وعراقيل التنفيذ على أرض الواقع والتي بدت أهم تجلياتها في انتفاضة الحوثيين ضد الحكومة على خلفية رفع أسعار مشتقات الوقود.
ومما لاشك فيه أنه وبعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء فقد دخلت البلاد في سلسلة طويلة من الأزمات المركبة والمتشابكة والتي كان أخطر ما فيها بروز البعد الطائفي والمذهبي الذي تسبب في قلب الكثير من المعادلات وكذا انحسار الحياة الطبيعية ليحل محلها الخوف والهلع والقلق ليكتشف الناس أنهم وبعد ثلاث سنوات يسيرون من سيئ إلى أسوأ وأن كل الخيارات أمامهم هي في مجملها خيارات صعبة ومؤلمة وأشد من ذلك أنهم من وجدوا أنفسهم يعيشون تحت رحمة التقلبات الشديدة للأطراف المتصارعة التي تقترب يوماً بعد يوم نحو هدم المعبد بما فيه.
وليس هناك من جواب على مايجري اليوم في اليمن من أحداث وتوترات والتي تشير كل التوقعات إلى أن انفصال الجنوب عن الشمال سوف يشكل الملف المركزي خلال الفترة القادمة خاصة إذا ما ظلت السلطة عاجزة عن استعادة هيبتها المفقودة وممارسة مسؤوليتها وصلاحياتها في الحفاظ على الأمن والاستقرار ولجم الفوضى التي تستثير الغرائز المتلهفة عند بعض التيارات والجماعات التي صارت تشكل دولة داخل الدولة.
أعتقد أن كثيرين مثلي يشعرون بقلق بالغ تجاه مايجري على الساحة اليمنية ويطرحون تساؤلات حائرة حول ما عسى أن يفعله التشكيل الوزاري الجديد وكذا عقوبات مجلس الأمن في بلد يشهد أشد أنواع التفكك والانهيار وبما لم نجده في أي دولة حديثة على الإطلاق من قبل، ومع ذلك يبقى الأمل على صحوة العقل السياسي اليمني وقدرته على تجاوز محنته المتمادية والعنيدة.
الرياض السعودية
علي ناجي الرعوي
كل الخيارات في اليمن صعبة ومؤلمة! 1947