المواجهة على الساحة اليمنية تبدو مختلفة اليوم، وتتأثر بثلاثة متغيرات في غاية الأهمية، الأول يتعلق بفشل مشاورات الكويت، والثاني يتعلق باستئناف العلميات العسكرية واسعة النطاق من قبل الجيش الوطني والتحالف العربي، والثالث يتعلق بالتوظيف اليائس لمجلس النواب من قبل المخلوع صالح؛ بحثاً عن فرصة لتسويق مجلسه الانقلابي الجديد وإلباسه لبوس الشرعية.
لم يعد أحد يذكر مشاورات الكويت، إلا من باب استدعائها كمثل للفشل الذريع للمسار السياسي، رغم أن المبعوث الأممي لا يتوقف عن مساعيه وجولاته المكوكية في العواصم، وعن لقاءاته بالأطراف المؤثرة بحثا عن فرصة لاستئناف المشاورات التي لم يتضح بعد ما إذا كانت ستأخذ شكل مشاورات الكويت، أم أنها ستكتفي بالتواصل المكوكي مع طرفي المشاورات والمؤثرين، في محاولة لتسويق مشروع اتفاق الكويت للسلام في اليمن، والذي صاغته الأمم المتحدة والرعاة الدوليون، وأُجبرت السلطة الشرعية على اتخاذ موقف إيجابي منه، فيما رفضه الانقلابيون جملة وتفصيلا.
الأنظار تتجه بعد انسداد الأفق السياسي نحو العمليات العسكرية التي اتسع نطاقها خلال الأسبوع الماضي، لتصل إلى المستويات التي شهدناها في بداية التدخل العسكري للتحالف تقريبا.
يبدو أن العمليات العسكرية تتجه إلى الحسم، في ظل مؤشرات موضوعية تدلل على أن ذلك قد يتحقق قريبا، وأن التحالف يوشك هذه المرة على تحقيق النصر في اليمن. من بين أهم هذه المؤشرات صفقات التسليح التي أبرمتها المملكة وعدد من دول التحالف مع الولايات المتحدة لتوريد أسلحة وقذائف وطائرات، ولهذا أهميته من زاوية التأثير الذي قد يمارسه لوبي السلاح في واشنطن لإبقاء منسوب الدعم للحلفاء في الخليج وتغطية المهمة العسكرية للتحالف في اليمن.
ومن المؤشرات أيضا عودة نائب الرئيس إلى مأرب للإشراف على العمليات العسكرية، بالإضافة إلى عمليات قطع الأوصال التي يمارسها طيران التحالف، بهدف فصل العاصمة صنعاء عن بقية مناطق البلاد، والاستهداف الدقيق للمقرات الرئيسية لقادة الانقلاب وغرف العمليات بصنعاء، إلى جانب مواصلة استهداف المعسكرات ومخازن الأسلحة في صنعاء ومحيطها بوتيرة عالية، وتوسيع نطاق الضربات لتشمل مناطق انتشار العناصر الانقلابية في محافظات تعز والحديدة وإب والبيضاء، وغيرها من المحافظات.
العمليات الجوية للتحالف تترافق مع تقدم لا يتوقف على الجبهة الشرقية للعاصمة، وهو التقدم الذي مكّن الجيش الوطني والمقاومة من السيطرة على مواقع في غاية الأهمية، بينها أرفع جبل في مديرية نهم (جبل المنار) الذي يطل على العاصمة، ومنه ومن مواقع أخرى في هذه المديرية بدأ الجيش بالقصف المدفعي للمواقع والمنشآت العسكرية والأمنية بصنعاء، بينها مبنى الأمن القومي الواقع في عند الطرف الشرقي لمدينة صنعاء.
هناك تقدم للمقاومة والجيش الوطني بتعز الواقعة في الجنوب الغربي للبلاد، في أكثر من جبهة، وهذا التقدم يعني أنه بات لدى التحالف رغبة في إسناد جبهات تعز، التي عانت من الإهمال المتعمد طيلة الفترة الماضية، إلا من تدخلات محدودة جدا.
كلها مؤشرات تدل على أن التحالف قد يذهب هذه المرة نحو الحسم العسكري متحررا من ضغوط الغرب والأمم المتحدة، بعد المواقف المخيبة للآمال التي صدرت عن الطرف الانقلابي تجاه مشاورات الكويت ونتائجها.
وبإزاء تضييق الخناق عسكرياً عليهما، حاول صالح وحليفه الحوثي الهروب نحو البرلمان، ولكن من الواضح أن الجلسة التي انعقدت أمس السبت بدعوة من رئيس المجلس/ يحيى الراعي، وهو أمين عام مساعد للمؤتمر الشعبي العام (جناح المخلوع صالح)، لم تنجح في استكمال النصاب القانوني، الأمر الذي انعكس على نتائج انعقادها، فلم يكن أمام رئيس المجلس من طريق سوى تحويل الجلسة إلى (شو إعلامي) عبر المباركة بواسطة التزكية للاتفاق المبرم بين جناح المخلوع في المؤتمر الشعبي العام ومليشيا الحوثي، فيما يخص تشكيل المجلس السياسي، دون أن يتخذ موقفا مباشرا من الرئيس.
ومع ذلك لا يمكن تجاهل مباركة كهذه لأنها تعني إحلال المجلس السياسي محل سلطة الرئيس، وإن كان لم يتم الحديث عن ذلك صراحة، وتم تجاهل مقترح من أحد النواب القريبين من ميلشيا الحوثي بشأن دعوة المجلس إلى إعلان "شغور" منصب رئيس الجمهورية.
بدا الأمر كما لو كانت هذه الجلسة السريعة، مجرد رصاصة طائشة أطلقها المخلوع صالح من سلاح مجلس النواب الذي يحتفظ فيه بالكتلة الأكبر من حيث العدد (190) نائبا، قبل أن يتآكل هذا العدد بفعل الانشقاقات التي تمت منذ اندلاع ثورة 11 شباط/ فبراير2011 إلى جانب المتوفيين الذين يصل عددهم إلى 26 نائبا راحلا.
توظيف البرلمان من قبل المخلوع صالح، كان متوقعا على الرغم من أن المجلس الذي انتهت فترته عام 2011، ومُدد له بموجب اتفاق المبادرة الخليجية، لم يعد يعمل وفق الآلية الدستورية الطبيعية، بل استنادا إلى مبدأ التوافق، بالنظر إلى أن اتفاق المبادرة الخليجية والدستور، باتا معا يمثلان "إعلانا دستوريا" مؤقتا لتسيير أعمال الفترة الانتقالية، التي تلت التوقيع على اتفاق المبادرة الخليجية، في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر في الرياض.
وعليه، فإن جلسة مجلس النواب غير مكتملة النصاب لم تكن شرعية من الأساس، ليس فقط لعدم اكتمال النصاب، ولكن أيضا لأنها مخالفة لأحكام "الإعلان الدستوري"..
وكان يمكن لو اكتمل النصاب أن يعطي إشارة إلى أن الانقلابيين يحظون بدعم واسع من السلطة التشريعية، وهذا يكشف عورة النظام الانتقالي، ويعكس كذلك الفشل السياسي لهذا النظام وللتحالف العربي الذي يدعمه.
سبق لبرلماني بارز ووزير سابق في حكومة الوفاق الوطني أن عرض قبل نحو ستة أشهر تقريبا مقترحا بكيفية التعاطي مع مجلس النواب، بهدف ضمان عدم توظيفه بأي شكل من الأشكال من صاحب أكبر كتلة برلمانية فيه.. وكان من ضمن هذا المقترح حماية أعضاء المجلس، وتأمين مكان ومناخ مناسبين لانعقاده في أي من المناطق المحررة.
لكن للأسف الشديد لم يتم الالتفات إلى هذا المقترح، وهو عوار سياسي غير مقبول لا من السلطة الشرعية ولا من التحالف.. وعلى الجميع أن يدرك أن بعض الذين اضطروا إلى حضور الجلسة غير الشرعية دفعتهم الظروف المعيشية، فليس لديهم مصدر دخل آخر يؤمنون به حاجة أسرهم، وهناك من يشعر بالخوف على نفسه، إذا رفض المشاركة، وكان على السلطة الانتقالية أن توفر لهؤلاء الملاذ الآمن منذ وقت مبكر وضمان معيشة لائقة، وتجنب وضعا شائكا كهذا الذي وضعهم فيه المخلوع صالح وشريكه في الانقلاب.
عربي 21
ياسين التميمي
هل يتجه التحالف العربي هذه المرة نحو الحسم؟ 1427