نسمع من حين لآخر من يعاتب القوى السياسية بالقول، انشغلتم بعفاش وأضعتم وطن، وتباهى البعض بذكائه وحنكته السياسية، بقولهم إنها لعبة السياسة، غير آبهين أن السياسة مشروع وطني ما لم يلب تطلعات الجماهير ترفضه وترفض حامله، سؤال يطرح نفسه ما هو مشروع عفاش؟! 33 عاماً كافية لمن عاشها أن يعرف مشروع هذا الرجل المريب، يمتاز بدهاء المكر والخديعة وهي التدابير الخفية للمضرة والمصائب، مشروعه مصالحه وبقاؤه حاكما متسلطاً يحمي تاريخه المعيب، هو كالنبتة الضارة التي تعيق نمو وإثمار الأشجار المفيدة، يتطفل المشاريع الوطنية والإنسانية ليقوضها، يحقنها بسم زعاف ليشل حركتها، فتصير مجرد شعار خاو على عروشه من القيم والمبادئ الوطنية والإنسانية.
أتى عفاش للحكم من الوسط الذي قوض مشروع دولة الشهيد إبراهيم الحمدي، الشعلة التي أنارت الوطن لتنقله من ظلمات للنور، فأنعش روح أدوات اللا دولة وكل ما هو معيق لبناء الدولة، مرحلة غنية بالمؤامرات والفتن والحروب والشتات، تشكل لوبي نفوذ وفساد وإرهاب ومصالح.
المؤتمر الشعبي العام مشروع الحمدي على طريق إرساء التعددية في واقع يرفض الحزبية ويخونها، فاستطاع عفاش بدهاء مكره وفهلويته أن يستظل بهذا المشروع ليكون أداة من أدواته في إعاقة التنمية السياسية وتقويض التعددية وأدوات التبادل السلمي للسلطة، جمعهم في غرفة واحدة ليكونوا تحت نظرة وتصرفه، روض البعض بشراء الذمم والإغراءات وشذب البعض وقص أجنحة البعض وتخلص من البعض، كل ذلك وهو يرفع مشاريع الجميع، إسلامي يساري يميني علماني و لبرالي، وهو لا يؤمن في أي منهما.
استطاع عفاش أن يروض الحياة السياسية بالمكر ودهاء الخديعة والعنف، وصنع له هيلمان، جعل البعض يهتف بشخصه، حتى رآه البعض الوطن والثورة والوحدة، ما لها إلا علي، بالروح بالدم نفديك يا علي.
الوحدة كانت بالنسبة له فرصة سانحة ومكسباً شخصياً وأنانياً، وجزء من تزوير التاريخ، ومصدر للثروة والجاه والتسلط، الجماهير حلمت وتطلعت كثيراً بمستقبل ما بعد الوحدة، بدد هذه الأحلام وقتل تلك التطلعات.
من هنا بدأت النهاية المخزية، أفرغ الوحدة والديمقراطية من مضامينهما، وجوهرهما الوطني والإنساني، الكل يذكر مشروعه في ضم الحزب الاشتراكي اليمني لغرفته الخاصة (المؤتمر الشعبي العام)، وفشل، أخرج الإسلاميين دون غيرهم من المؤتمر الشعبي العام، ليكون حزباً مناهضاً للاشتراكي، وحرض كلاً على الآخر، وتحالف مع القاعدة، وبدأت حملة اغتيالات لكوادر الحزب العصية على الاحتواء، والتي تشكل خطراً على مشروعه، واستخدم ولازال لليوم يستخدم حرب 13 يناير لتمزيق الجنوب، حتى أعلن الحرب على مشروع الوحدة، ليحولها لضم وإلحاق، تمكن من ذلك بمكر وخديعة واعتقد أنه ملك الوحدة (صانع الوحدة)، وبدأ يفصلها على مقاساته، عدل الدستور وأفرغ الديمقراطية من مضمونها، حظر نشاط الحزب الاشتراكي اليمني وحلفاءه، وفرّخ الأحزاب، وكانت بداية الانهيار، وتمزيق النسيج الوطني والاجتماعي، والقضاء على التحول المستقبل المنشود.
حاول إرهاب كل من يعارضه، والقضاء على كل من يبرز في الساحة، ويكتسب شعبية وتأثيراً، أو يفكر في التغيير، والمضي في مشروع يهدد كيانه وحكمه، كان من المعارضة أو المقربين أو حتى الأسرة، وتداول الناس حكايات في تصفية خصومه ضمت أقرب الناس إليه، أفرغ الأحزاب من كوادرها باستمالتهم وإغرائهم وتهديدهم وشراء ذممهم، وتصفية العصي منهم، وانضم الكثير لغرفته السياسية المؤتمر الشعبي العام، يلاحظ أن كوادره كلها أتت من الأحزاب سياسيين إعلاميين حقوقيين، أراد أن يجعل الأحزاب معارضة هشة، لا تأثير لها، وبدأ غروره يجره لمصيره المحتوم، رافضاً إصلاح مسار الوحدة وتسوية الملعب السياسي والانتخابي، وأدار سيناريو انتخاباته المزورة.
حتى ترسخ في أذهان القوى السياسية بضرورة تكتل مشترك هندسه الشهيد جار الله عمر الذي كان ضحيته لاحقا، تكتل هز عرشه وخلخل كيانه، وفي أول مرة في تاريخ اليمن كانت انتخابات تنافسية قوية في عام 2006 م خاضها معه الفقيد الوطني فيصل بن شملان، انتخابات حجمته، حيث هدد باستخدام كل قوته ليحول الوطن لجحيم، انتخابات كسرت حاجز الخوف وجدار الصمت وأنعشت الروح في المعارضة، وبدأت الناس تعبر وتتظاهر وتصرخ ضد الظلم والطغيان والاستبداد، وكان الجنوب فتيل تلك الشرارة في 2007م وعادت عدن منبرا وطنيا ومنطلقا للحركة الوطنية والقوى التحررية، بدأت منها الاحتجاجات للمتقاعدين العسكريين قسراً، وتبعتها تعز وكل المدن اليمنية في ثورة عارمة أفقدته توازنه، وفضحت، خطاباته البذيئة، ثقافته الهابطة، سياسته المدمرة، مؤامراته الفاضحة، ثورة خلعته وبات يحيك مؤامراته، وكشفت عن حقيقته ومشروعه، باع الوطن والجيش وغرفته السياسية المؤتمر الشعبي العام، اليوم هم أكثر المتضررين من عفاش ومشروعه الإمامي الكهنوتي، باع كل شيء بأرخص الأثمان، ودمّر كل شيء باختياراته وسياسته الأنانية ومكره وخداعه وتقويضه لمشاريعنا الوطنية والمستقبل الوضاء..
هذا هو عفاش، ومن محاسن هذه المرحلة أنها فرزت الغث من السمين وأظهرت الحقائق المتوارية خلف الشعارات، عرفنا من مع التحول والتغيير والدولة الضامنة للمواطنة والجمهورية والثورة ومن مع أعداء كل ذلك، أصحاب مشروع الماضي والزعامات والكهنوت والتعصب الطائفي والمناطقي،و لن يتعافى وطن عليل بفيروس مرض خطير اسمه عفاش، كما كان يقول بغباء يا أصحاب النظارات السوداء.