اختار ترامب المدخل غير المناسب للتعامل مع اليمن، عبر اعتماده الخطة ذاتها للمؤسسة الأمنية الأميركية التي رأت في هذا البلد مجرد مسرح مفتوح لنشاط التنظيمات الإرهابية، إلى حد ذهبت معه إلى اعتماد وكيل سيء لتنفيذ مهمة مواجهة هذه التنظيمات ووفرت له غطاء لإنجاز هذه المهمة وتواطأت مع جريمة هدم مبنى الدولة اليمنية كلها لأجل هذا الفصيل المسلح المشحون بالطائفية والموتور بقدر الحقد الذي تحمله إيران لشعوب المنطقة.
كان ترامب يأمل في نجاح مهمته العسكرية الأولى فيما وراء البحار، كان يخطط على ما يبدو لاعتقال قيادات مفترضة لتنظيم القاعدة، أفادت الاستخبارات الأرضية التي أفادت بوجودها الخلايا الأرضية ذاتها التابعة للمخلوع صالح والأمن القومي السابق وأخرى مرتبطة بالمشروع الحوثي الطائفي، في موقع جرى تصويره على أنه معسكر، تماماً مثلما يجري الآن تسويق فكرة أن النساء اللائي لقين حتفهن في الهجوم الأميركي كن جزءاً من القوة التي واجهت الجنود الأميركيين.
لم يكن يتوقع ترامب ولا البنتاجون أن تكون الخسارة الأميركية بهذا الحجم في مهمة استعراضية بالأساس، ونُفذت في توقيت يفترض أن يكون المستهدفون في حالة من عدم الجاهزية.
كل ما كان يريد رئيسٌ أعلن الحربَ على الإسلام أكثر من الحرب على المتطرفين في هذه الحضارة الكبيرة، أن يقوله للأميركيين إن مهمتي تنجح وها أنا أمسك بهؤلاء العناصر الذين كانوا يهددون الأمن القومي الأميركي.
لقد هاجم الجيش الأميركي في هذه العملية أناساً قد يكون لبعضهم ارتباط من نوع ما مع القاعدة الذي يتراجع دوره كثيراً في اليمن، لكن معظم من قتلوا لم يكونوا كذلك، ولا يجب أن يجري إغلاق هذا الملف لمجرد أن أميركا تواجه الإرهاب، وهذا دور الحكومة أولاً ودور الفعاليات الاجتماعية ثانياً.
الجيش الأميركي لم يكن محظوظاً في هذه المهمة فقد تحطمت إحدى مروحياته المهاجمة، وفقد بعضاً من جنوده في ساحة حرب لا تعوزها التفجيرات ولا القتل العبثي كالذي قام به الجنود الأميركيون وكانت نتيجته استهداف العشرات من المدنيين المسالمين من النساء والأطفال.
لا أعتقد أن الجيش الأميركي سيكرر تجربة كهذه في اليمن، وهذا لا يعني أن القاعدة ستعود إلى الانتعاش، أو أن نشاط طائرات "الدرونز" سيتوقف، علماً بأن نشاط هذا النوع من الطائرات، ليس نظيفاً بل يتسبب في قتل العشرات من الأبرياء، إلى جانب الرعب الذي يتسبب به هذا الطيران في أوساط السكان في المناطق التي يحلق في سمائها، إذ يعتقد الجميع أنهم يمكن أن يكونوا هدفاً خاطئاً جديداً أو ضحايا جانبيين لأهداف موجودة بالفعل على الأرض، هذا إلى جانب الأضرار التي يلحقها بالمنازل المجاورة للهدف.
من المؤسف أن الولايات المتحدة الأميركية لا تزال تحاول- وبشكل متعسف- إعادة ترتيب الأولويات الأمنية في اليمن، مع الإبقاء على "القاعدة" و"داعش" على رأسها أهدافها، على الرغم من أن دور هذين التنظيمين بات محدوداً إلى جانب أن العناصر التي تنشط فيهما ليست إلا ورقة بيد لاعبين آخرين وأجهزة أمنية محلية وخارجية تحركها حيث تشاء والجميع يعرف ذلك.
اليمن لا يواجه سوى كارثة الانقلاب، وحرب أهلية واسعة فجرها المخلوع صالح والحوثيون بغية استعادة السلطة بأي ثمن، وهذه الحرب هي التي تنشر الخراب في الأرض وتقتل اليمنيين بلا هوادة وبلا رحمة، وتنال من اليمن وتمزقه وتعطل دولته وتضعف قبضتها الأمنية، الأمر الذي يشجع العناصر الإرهابية على التواجد في الفراغ، وهو أمر يمكن معالجته بسهولة مع وجود الدولة.
لكن للأسف أميركا نفسها تساعد على إضعاف الدولة اليمنية الحالية والقادمة من خلال تسويق تسويات تبقي على خطر انهيارها في أية لحظة.