ما من شك أن ما نحن فيه من اضطرابات ونزاعات مسلحة وحرب قائمة لها ظروفها وتداعياتها على الواقع، ويعتمد على قدرتنا للسيطرة عليها وتجاوز تداعياتها، وذلك يحتاج منا لوحدة الهدف والمصير والقرار السياسي، لذلك لابد من وحدة الكنترول المدير لكل تلك العمليات، وهي قوة السلطة المركزية التي تتحلى بالقيم والمبادئ ومخرجات الحوار لرسم المستقبل المنشود .
نحن نعاني من ضعف الكنترول الذي يدير دفة الحرب وتطبيع الحياة في المناطق المحررة، وغياب التوافق على الهدف العام، تشتت الجهود وثغرات باختلافات جانبية أتاحت فرصة للاختراق، وتسمم في الأفكار والرؤى من خلال بث جملة من الإشاعات وإنعاش صراعات قديمة تعيد للواجهة الأحقاد والضغائن والمشاريع الصغيرة على حساب المشروع الوطني العام والهدف الأساسي في النصر أولاً على العدو المشترك .
مع تعدد القوى الداعمة سياسياً ودبلوماسياً وتسليحاً، وعدم تمركز القرار في سلطة واحدة يضعف كنترول إدارة المقاومة، ويبدأ الاستقلال النسبي تدريجياً للجماعات المسلحة والمليشيات التي يقودها أفراد بدؤوا يصنعون لهم هيلماناً واغتروا بما لديهم من قوة وسلاح، و مع استمرار النزاع المسلح واحتلالها مواقع تدفعها قدماً إلى تعديل أهدافها، بما يتلاءم مع ما تعتقد انه ممكن تحقيقه فتخرج عن سلطة الكنترول في إدارة المقاومة وتمارس ما نراه اليوم من خروق وتجاوزات لما هو مرسوم في كثير من جبهات القتال والمناطق المحررة، هذه الظروف تبرز أمراء الحرب يبسطون سيطرتهم على المجال الميداني، ليصبحوا قوه مؤثرة على الأرض تتجسد إلى مواقع تفاوض تنتهي بالاعتراف بهم على المستوى السياسي بأفكارهم ورؤاهم، التي قد تشوش على الفكرة والروية والهدف العام وهو الدولة الضامنة للمواطنة أو الدولة المدنية، فتتغير قواعد اللعبة بما يتناسب وأحجامهم وأوزانهم في المعادلات الميدانية والسياسية الجديدة.
فلا غرابة مما يحدث من خذلان وانهيار للطموح والمؤدي للفشل، المولد للإحباط، لأهمية الكنترول في الأمور العسكرية مركز القرار مهم في إدارة الحرب والالتزام والانضباط لأوامر تعليمات القيادة، إذا اهتز هذا الكنترول، تتوسع دائرة الخلاف وعدم الانضباط والالتزام بمستويات هرم القوة العسكرية إلى درجة الاضطراب الشامل وعصيان تنفيذ الأوامر، فيخرج البعض عن الهدف العام لأهدافه الخاصة، ونفقد دولة المواطنة كإستراتيجية أساسية يجمع عليها الجميع، لتنهار طموحنا وأحلامنا في وحل من الصراعات الجانبية الأكثر سلبية، وهنا يتحول كل استقلال للميدان مدخلاً نحو الهزيمة المحققة على مستوى التوجيه والقيادة السياسية، ويتحول الفشل لواقع على الأرض في الجبهات والمناطق المحررة .
هذا ما تعانيه عدن، وتعز والمناطق المحررة التي فيها تعدد المقاومات، وعدم وجود كنترول ينظم ويضبط الحركة بتوجيهها نحو الهدف العام المرسوم وضمان عدم الخروج عنه، نحن بحاجة لكنترول يضبط حركة المقاومة وتطبيع الحياة، بسلطة قوتها في عدالتها وانحيازها للشعب وطموح وأمال الجماهير، تعيد الثقة للناس والتفاؤل بالمستقبل المنشود، وتعالج بؤر العصبية والمناطقية والطائفية والكراهية، وتقضي على منابعها ومنابع الإرهاب والتعصب وحضانة الفساد ولوبي الاحتكار الاقتصادي والسياسي، سلطة تسعى للتغيير وترفض إعادة تدوير قمامات الماضي التعيس، بهذا سيتحقق النصر وتطبع الحياة ونتجاوز معاناتنا وآلامنا وصراعاتنا، الناس تريد ترى وتتلمس واقع معاش، لا تنطلي عليها الشعارات والهتافات وحكايات الجنة الموعودة لتسويق الأوهام، والنتيجة واقع أسي وقاسي، والله يوفق الجميع لما فيه المصلحة العامة للأمة والوطن .