وجع الماضي جعل الفكر الوطني الأناني يتفوق على الفكر الوطني الأممي القومي والإسلامي، تفوقت لدى البعض قناعات أنانية لمشاريعهم الخاصة عن القناعات العامة والقيم والمبادئ المتعارف عليها في المشاريع الوطنية الكبيرة أمل الأمة وطموح البسطاء، بعضهم وصل ليأس بقوله فشلت تلك المشاريع، بل ماتت في مهدها، هل يعني ذلك الاستسلام للهزيمة؟ لينتصر أعداء هذه المشاريع، أعداء الدولة والنهضة والديمقراطية ووحدة الأمة وأمل وطموح البسطاء والعامة، قبول البعض بالهزيمة جعلهم يرسمون ملامح المستقبل ليلبي مشاريعهم التدميرية، يدفعون نحو موت كل حلم جميل ومستقبل وطن وأمة، ليبنون على أنقاضه مشروعهم الطائفي ألسلالي المناطقي العفن .
وكلما سنحت الفرصة لتحقيق ولو جزءا بسيط من أحلامنا، كلما أعقناها واختلفنا على هوامش الأمور لنفقد جوهر الحلم، مخرجات الحوار رسمت لنا طريق المستقبل لتحول نحو دولة اتحادية ضامنة للمواطنة والعدالة والحرية، ومشروع بماركة وطنية، الأفراد فيه أدوات يمكن لها أن تنتهي بانتهاء دورها ويبقى المشروع كمبدأ وقيم، يغلق أبواب الهيمنة والتسيد والاستبداد ويفتح مجال واسع للمشاركة وقبول الآخر والتعايش في وطن يستوعبنا بكرامة وعزة وشرف، مشروع وطني لم يجد تكاثف وتلاحم القوى أصحاب المصلحة الحقيقية في إرسائه، بل استطاعت القوى التقليدية المتخلف أن تعيقه، في التصدي له أو الانخراط فيه لحرف مساره، وإذا بنا في واقع فتن، وجد من يساير هذا الواقع على حساب الوطن ومشروع الأمة .
إن أقبلت الفتن ساد الظلام والظلم، ولها بيئتها ومستقبليها،عندما تستقر في أعماقنا محاذير مبنية على أوهام، عندما نكون جزءا من وحل الماضي، الوحل الذي يرتع به المستبد، من صراعات وكراهية وأحقاد وضغائن، يستدعيها، ثم يؤججها، لخدمته لضرب مشروع الدولة الاتحادية الضامنة للمواطنة التي تهدد كيانه وتقضي على أهدافه وأجنداته .
أثر الفتنة في مسايرة هذا الواقع ويرضون به وبحججه الواهية دون تفحص ونقاش يفضي للجلوس على طاولة حوار تنتج توافقا، تنتج حلولا ترضي الجميع، تجنب الوطن المنزلقات، البلوى العامة هو الانجرار خلف دعوات لمزيد من تأزم الواقع، من السهل التحريض والتبرير لكن من الصعب وقف الطوفان أن خرج عن السيطرة، خاصة في ظل لاعبين كثر ومختلفين، من منهم سيسيطر على مجريات الأمور؟، هناك من يتربص بنا لينقض على الجميع .
لا خير في أمة تتبع ثمار الكراهية ضد بعضها البعض، في أمة تبني مخاوفها على وهم وإشاعات يبثها المغرضون، أمة تخاف من شريكها في الوطن، واقع الحقد والضغائن على الآخرين يعطل قدرة العقل على التفكير والترجيح للمنطق فيفرط وتسمم النفوس فتتعطل فيه ثمار الدين والسكينة والحكمة والرحمة، وتدفع بالإنسان للمجازفة والأوهام، والنتائج وخيمة وفشل وهزيمة حينها لا ينفع الندم .
متى نصل لقناعة مفادها أن هذا الوطن كان جنوباً أو شمالاً أو اتحادياً هو وطن أبنائه بمختلف توجهاتهم وأفكارهم، وإنني جزء من كل ذلك ولست وصياً على الآخرين، يجب أن أبحث معهم عن لغة مشتركة ثم نتفق على نظام مشترك وقانون ينظم العلاقات فيما بيننا بمبدأ لا منتصر ولا مهزوم، هذا يحتاج منا السعي معاً لخلق واقع ديمقراطي فيه الصندوق هو الحكم وإرادة الجماهير تتضح بكل تجلياتها، دون حشد وحشد مضاد ورفض للآخر هذه الحشود تعبر فقط عن أصحابها وليست إرادة كل الناس، مشكلتنا في رفض البعض لهذه الحقيقة، التي تجرنا من صراع لصراع تحت وهم الممثل الشرعي والوحيد للقضية والبقية خونة ومرتزقة ومتآمرون، مشكلتنا هي تلك العقلية مهما كان مشروعها، موجودة في الشمال والجنوب تتفق في وسائلها وثقافتها وهدفها لتعيق مشروعنا الوطني .