انطوى عام 2017 بكل مآسيه وآلامه، العام الثالث على التوالي للحرب العبثية لقوى العنف والاستبداد، للانقلاب على حلم وطموح البسطاء، المنسوجة في مخرجات الحوار الوطني، انطوى وتخالجنا أمنيات بسيطة أن يطوي معه هذه الحرب العبثية الملعونة، أن يطوي آثارها إخفاقاتها مناكفاتها، أن يخرس مثيري الفتن والإشاعات مشعلي الحرائق مروجي الأوهام والارتهان، أصحاب المصالح الضيقة والأنانية الذين خلعوا هويتهم ورموا مبادئهم وقيمهم وتنازلوا عن السيادة ليتحولون لأتباع وأدوات تديرها أجندات، لتبقى الحرب الفرصة السانحة لهم ليتصدروا المشهد بكل ما هو سيئ، ليغيبوا بقصد أخياره وعقلائه، وكل جميل عشناه ونتمناه.
نستقبل اليوم عامنا الجديد 2018م، لنخلع حلته الرثة و نلبسه حلة جديدة مزخرفة بالحب والتسامح والوفاق والاتفاق، بالتعايش والتنوع بألواننا الزاهية وأفكارنا النيرة البهية، بثقافتنا المدنية وإحساسنا الجميل الرافض للعنف والصراعات والمناكفة والشتم والتعزير، بغيرتنا على الوطن والأمة، لنعيش كسائر البشر في المعمورة لنكون جديرين بالحياة لا مثيري للشفقة.
عام دون أصنام وزعامات، دون حشد وتحريض ضد بعضنا البعض، ليكون زعيمنا الوطن والقيم والمبادئ، ولننشد الدولة، نصطف حولها، نؤسس أركانها، بأسس وطنية، والنظام والقانون الحكم بيننا، نظام يضبط إيقاع الحياة وقانون ينظم العلاقات، ويحدد والحقوق والواجبات، كسوط على كل رأس الكبير قبل الصغير، من يضع نفسه فوق الكل يلسعه ذلك السوط ليريه الحق من الباطل، سوط بقوة رجال أمن وطني صرف، وجيش وطني محض، لتذوب كل التشكيلات والمليشيات والحراسات، ليضبط كل منفلت من طقم وعسكر وأمير وقائد، أبو زعطان ومعطان، لنرى الدولة بمؤسساتها ورجالها تقود مسيرة الحياة، لنصل لصندوق انتخابات حرة ونزيهة يلبي قناعاتنا وآمالنا وطموحاتنا.
هذا الحلم يمكن أن يكون حقيقة متى ما توفرت النوايا، وأخلصنا لقيمنا ومبادئنا، وكنا أناسا متفائلين واثقين مستقيمين، غير مرعوبين ولا خائفين ولا متربصين لبعضنا البعض، تقتلنا الشكوك والتوجس ونظل نراقب بعض ونتهم بعضا ونخوّن بعضنا بعض، وننتهك حرمة هذا الوطن بانتهاك كرامة الإنسان فيه، حيث تتحول النقاط العسكرية من حامي لمهين، ومن محافظ لمنتهك، ولتكون مصدر رعب للمواطن، وما أسوأ أن يهان الإنسان في أرضه، أو يطارده الرعب في الشارع العام، لنعيد النظر بخطابنا وقراراتنا الغير سوية، لا نترك لنشوة القوة أن تأخذنا، لفرض أمر واقع يسلطنا لنتحول لمستبدين طغاة لا نخضع لا لقانون ولا شرع ولا عرف.
هل ندرك أن العنف يولد عنفا أشد منه، وأن الاحترام يولّد احتراما أفضل منه، ما تقدمه للناس تلقاه، قدم نفسك مستبدا ستجد من يقف في وجهك ويرفض عنجهيتك من الأحرار، قدم نفسك إنسانا ستجد من يكن لك الاحترام ويقدم تعظيم سلام.
ما نلاحظه اليوم من سقوط أخلاقي وأنساني وقيمي، وانفلات واضح من بعض المكونات التي ترفض الانصياع للدولة والشرعية، ترفض تعليمات الحكومة والرئاسة بعنجهية التخلف وقوة الولاء لغير الوطن، هنا يكمن خطر تعدد الولاء، وتعدد رؤوس السلطة، وتعدد المليشيات، حتى المنافقون الذي أوصلوا البلد لهذا الحال لا يملكون السيطرة على هولا المنفلتين، ولن يخضعون لهم، فقد صار هذا السلوك مصدر دخل لابتزاز الناس ومصدر لجشعهم وممارسة هوايتهم في إذلال وأهانه البسطاء، وما يوسف له أنهم لا يمثلون أنفسهم بل يمثلون الدولة أو المقاومة في جغرافيا عزيزة على قلوبنا، بتاريخها وعراقتها وحضارتها ومدنيتها قبل أن تخلق تلك الكائنات المريضة.
عام 2018م سيكون مميزا، يلوح في الأفق نصر للشرعية، وهزيمة للانقلابين، وستعود بإذن الله الأمور لنصابها، ومطلوب من الدولة العودة بكل أدواتها للداخل لتكن عند مستوى التحديات والمرحلة،حيث ستكون مخرجات الحوار هي مرجعيتنا، والصندوق هو الحسم في تقرير مصير الوطن ومستقبله وشكل الدولة وجوهرها.