أجمل ما وهبنا الله كبشر حرية الاختيار، والإنسان كائن ثقافي، ثروته أفكار وقناعات، كلا يؤمن بما يحمله من قناعات تغني عن لوم آراء وأطروحات الآخرين، تحكمه قناعاته وترشده قراءاته، بشرط أن لا تضر التنوع والاختلاف لتكن جزءا من ألوانه الزاهية، هناك من يرى بعقله، وآخر يرى بعواطفه وانفعالاته، وهناك من له أسبابه وأخر له ذرائعه، وهناك فرق .
الاعتراف بالحق فضيلة، نحن مختلفون، وعلينا أن نعترف أن الاختلاف نعمة لا نقمة، وأننا جميعا شركاء في وطن يستوعبنا، واختلافنا وتنوعنا يصب في مصلحة هذا الوطن، ولا يستطيع أحدا فرض واقع قناعاته واختياراته على الآخرين بالقوة أو بالحق الإلهي أو بالعقيدة أو بالحشود أو بأي أسلوب منمق بالديمقراطية والوطنية والقضية، لان من حق الآخرين الدفاع عن أفكارهم واختياراتهم و وجهات نظرهم وحقهم في العيش أحرار شركاء لا أتباع وعبيد .
إذا العنف ومليشياته والتلويح بالسلاح والقوة المفرطة مرفوض كسلوك وثقافة تجاوزتها المرحلة والأمم، زمن الانقلابات والأنظمة الشمولية ولا، هذا هو زمن الأنظمة الديمقراطية والتعايش وتقبل الآخر والشراكة في وطن يستوعب الجميع .
من سخريات هذا الزمن الخطاب بلغة ألانا والأنانية، نحن نمثل، ونحن قاتلنا وطرنا وحررنا، ونحن ونحن، من أنتم؟!
لا يمكن لعاقل أن يخاطب الناس كوصي عليهم، يفرض كيانه متحدثا باسم الجماعة، الوطن متنوع قناعات وأفكار ومكونات وأحزاب وطوائف وأعراق، لا يعني هذا انك استطعت أن تحشد جزءا من هذا التنوع انك تمثل كل هذا التنوع، ثم أن الجبهات منذ اللحظة الأولى للمقاومة وهي تكتظ بهذا التنوع، لا ينكر غير جاحد أن كل المكونات السياسية والعقائدية قاتلت وبشراسة، كان حزب الإصلاح والاشتراكي والحراك والمؤتمر والناصري والرابطة والسلف و..... والمستقلين، قاتلوا بمختلف دوافعهم وذرائعهم .
هذه حقيقة لا ينكره غير من يريد أن يفرض كيانه وقناعاته وأفكاره على الآخرين في نظام شمولي عفن، يجتث كل معارض ومختلف ومتنوع، لا صوت يعلوا فوق صوته النشاز .
كذلك لا جدوى للمحاصصة والتقاسم بين المكونات سياسية أو طائفية أو مناطقية، هي سبب ما نحن فيه اليوم، هي سياسة تأجيل للصراع ومهدآت مؤقتة لصراع اشد ضراوة.
إذا علينا أن نتفق ونتوافق على صيغة مشتركة تجمع كل هذه المكونات لخدمة الوطن ومشروع نهضته ونمائه .
إن تجاوز الشخصنة والزعامات، لنجعل النظام والقانون هو الحكم، ينظم علاقاتنا، ويرسم لنا الطريق لترسيخ مؤسسات الدولة بكفاءتها واختصاصاتها ومهنيتها، وتحييد العنف والسلاح في يد قوات مسلحة عسكرية وأمنية وطنية تحمي الاستحقاقات وتطبيق النظام والقانون والديمقراطية كثقافة وسلوك وتحمي حرية وقناعات الجميع، لتكون صمام أمان للوطن والشعب والمشروع الوطني الجامع .
لا يوجد أمامنا اليوم غير مخرجات الحوار ومسودة الدستور، الشعب هو الوحيد الذي يحسم أمرها في استفتاء، هو الوحيد له الحق في الفصل وتقرير المصير بكل أطيافه وتنوعه، على الجميع القبول بالنتيجة دون فرض أمر واقع بالقوة والطيش والتهور، كلا لديه القدرة على الدفاع عن آراءه وأفكاره وقناعاته بما يستطيع إليه سبيلا .
يكفينا صراعات، والانتصارات الزائفة على الخصوم المنهزمين فيها أخلاقيا، مسلسل نصر وهزيمة الوطن ونهضته ونمائه اكبر الخاسرين .
الفساد والإرهاب ليس ذريعة للنفاق السياسي والمناكفة، الفساد يحتاج نظام وقانون، يحتاج محاسبة ورقابة ونيابة وقضاء عادل، يحتاج دولة ضامنة للحريات والعدالة، هموا بنا لنبني تلك المؤسسات ونرسخ تلك القوانين، وثقوا أننا قادرون على اجتثاث الفساد والفاسدين والإرهاب والإرهابيين، وستصدمكم الحقيقة أن المتشدقون بهذه ألآفات هم أدواتها، وهي ذريعتهم في ممارساتهم وسياساتهم كمستبدين وطغاة ومنتهكين ومنافقين والله من وراء القصد .