في الجنوب اليمني لنا قضية عادلة وطنية إنسانية، تتمثل في الدولة الضامنة للمواطنة بأركانها "الثلاثة حرية عدالة مساواة" أعلن عنه في اتفاقية الوحدة المقرونة باشتراط الديمقراطية والتعددية. خلال ثلاث سنوات من اتفاقيات الوحدة، تبين هذا المشروع الوطني وضده من قوى تقليدية ترفض مشروع تلك الدولة وقوة النظام والقانون، قوى تمثلت في نفوذ قبلي وأعيان السلالة ومنافقين إسلاميين وسياسيين، تكالبوا معاً للانقضاض على جوهر وقيم الوحدة، من وثيقة العهد والاتفاق للجنوب كمشروع لا كجغرافيا. واستمرت الحكاية بين مشروع الدولة، ومشروع أللا دولة، بين مشروع نهضة وتقدم ونور، ومشروع تخلف وجهل وظلام، مشروع استبداد وهيمنة وتسلط، يحاول اختراق قوى الثورة والجمهورية والوحدة، مرتديا زيها، هاتفا لشعاراتها، رافعا راياتها، ساحرا لقواها البسيطة، من المقهورين والمظلومين، يشعلونهم حماسا وتهور، حينما يغيب الوعي ويتسيد الجهل، تعم الفوضى وتنصب المصائد والفخاخ لهدر الأحلام و إثارة زوابع تخييب الآمال والخدعة الكبرى التي نحن فيها اليوم. الصورة بدأت تتجلى في ساحات الثورة الجنوبية، وتسميمها بالتعصب القادم من القرية، والشحن والتحريض لقتل التعايش وشيطنة الآخر للانحراف بمسار قضيتنا لتأخذ منحى غير إنساني ولا أخلاقي، بالتعبئة بكم هائل من المغالطات وتشويه التاريخ والهوية، ومنابر التوجيه السياسي والمحاضرات المناطقية، حينما قالها مثقفهم من على المنصة (لم تكن ارض الجنوب العربي يوما يمنية، وان التاريخ زوره المستوطنون )، أحدثت تلك العبارات شرخا فينا، وانقسم الناس، انقسام العلم عن الجهل،والوعي عن التخلف،والوطنية عن العصبية،والقومية عن الشوفينية، وتجنبا للمهاترات التي تهدر النضال والشخصية، كان الانسحاب أفضل ومعالجة الأمور مع أكثر الناس ثقافة وعلم ودراية وتخصص، من نفس الطينة ليكن كلامها مقبولا، ينير العقول ويوضح الحقائق، ويصحح المغالطات والحقائق التاريخية وإيقاف هدر القيم والمبادئ . قليل ممن تفهم، ولا حولا ولا قوة لهم في الأمر، وما أكثر المتعصبين، لم ينفع فيهم العلم ولا المعرفة لتغيير قناعاتهم وعصبيتهم ومواقفهم الوطنية ولا حتى الإنسانية، مشحونون كغيرهم من المصابين، بل بعضهم طامحون في العلا، واهمون أنهم النخبة الأحق في الثروة والسلطة ممن يعتبرونه احتلالا، تلك هي الفكرة التي تسيطر عليهم أنهم البديل الأحق لتربع سلطة الجنوب، تلك هي الدولة الزاعمون استعادتها، وهم المتسلطون عليها، مشروع الخالي من دسم القيم والمبادئ، يصرون اليوم على ترسيخه، راميين خلفهم استعادة الدولة بقوامها، الحرية والمواطنة والعدالة والمساواة والإنسانية، نراهم البديل الأسوأ في التاريخ، في انتهاكاتهم، في خطابهم، في سياساتهم، في تعاملهم، صورتهم اليوم واضحة للأعيان، في مكون مسلوب الإرادة مطعم بقوى الماضي ونخبه المريضة، والمجرب الفاشل بل بفساده واستبداده، هم اليوم من يقودونه. ونحن اتخذنا- منذ وقت مبكر- موقفنا الواضح والجلي في كتاباتنا ومقالاتنا الرافضة لتلك السياسات والسلوكيات، ندافع عن المشروع الوطني وقيمه وأخلاقياته ومبادئه، اتهمنا وصنفنا بكل عاهاتهم وأمراضهم، صدمنا كثيرا بحجم المأساة، زملاء لنا كنا نعتبرهم مثلا طيباً، أدباء ومثقفون، وإذا بهم منحطين في تصنيفاتهم التي لم نكن نتوقعها، وصعبا علينا ذكرها ليست في مستوانا الثقافي والإنساني. ها نحن نترفع شأنا والحمد لله ويقل شأنهم، بعد أن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ويزداد مشروعنا شعبية، وشعبيتهم تنهار، حتى أن بعضهم يقابلك مطأطئ الرأس خجلان، وقليل ممن هم على الضلال مستمرون، والزمن كفيل بصحوتهم . هذا التغيير للكفة لصالح مشروعنا الوطني والإنساني الدولة الضامنة للمواطنة والحريات يبشر بالتفاؤل بالنصر، وفي المقابل مشروعهم في نزعاته الأخيرة المتمثل في صراخهم وعويلهم وتهديدهم ووعيدهم، وما يصح إلى الصحيح، وبالحق يزهق الباطل أن الباطل كان زهوقا.
أحمد ناصر حميدان
الجنوب ومشروع الدولة 1176