متى يستوعب مناضلو هذا الزمن البائس، أن النضال ترك الماضي والعيش في الحاضر والمضي نحو المستقبل. وحاضرنا معانات الناس لا تحتمل المزيد، موت يحصد أخيار وشرفاء هذا الوطن، وقواه الحية الناعمة، التي ترفض العنف وتناضل بالفكر والحجة، هناك أيادي خفية تهيئ الواقع للصوص والفاسدين والجهلة ليحكموننا خدمة لأجندات طامعة. واقع الانفلات الأمني الذي يهدد الجميع، باستثناء المحصنين بثكناتهم العسكرية، ومواكب الزعيم للزنط والتعالي صورة طبق الأصل لعفاش، والعذر أقبح من ممارساتهم العفاشية بل وأسوأ، الآخر المختلف عنهم، هو كل السبب هو شماعتهم وبرميل قماماتهم.
الناس تعي اليوم وتدرك هذا الهراء، وصاروا عرضة للسخرية، الناس كفرت باستعراض العضلات على الشاشة لمزيد من العنف والتهديد والوعيد، للتلويح بالحسم من على بروج عالية، مرهون على التفكك المجتمعي طائفيا ومناطقيا، لمزيد من التراكمات والثارات والحروب العبثية التي وقودها شبابنا الواعد أبناء هذا الشعب الموجوع الذي يئن ويتألم اليوم، الجياع والمرضى والمرعوبين، الباحثين عن بادرة أمل لإنقاذ الوطن من الانهيار والتهاوي لقاع الرذيلة والتفسخ والإرهاب، بادرة أمل بدولة وشخصيتها الاعتبارية ضامنة للمواطنة وتضبط إيقاع الحياة، وتنظم العلاقات، دولة النظام والقانون، لتعيد الروح للناس والوطن.
كفى صراعات وحرب، وحروب جانبية، لمزيد من الألم، لا لأدوات العنف وقادة مليشيات، لصب الزيت على النار، الناس تبحث عن الاستقرار، الناس تبحث عن حلول ومعالجات ومبادرات لإسدال ستار سيناريو الحرب اللعينة والقتل اليومي والجرائم التي تعكر صفو الحياة والسلم الاجتماعي الخطف والاغتصاب والنهب والفساد والبسط، و ما يهدد الناس في معيشتهم واقتصادهم وأموالهم وأعراضهم وأرواحهم، كفى حشد وتحريض وترويج لوهم الغضنفر المهووس بخداع الناس و وهم الحسم والتحرير والخلاص، ينتظر اللحظة المناسبة، وهم الابتزاز السياسي القذر، للحصول على نصيب في التقاسم القادم للسلطة والثروة. شعب مل الوعود والكيانات السياسية التي أنتجتها ظروف الصراعات المتعاقبة، كيانات طارئة تنبت من واقع تلك الصراعات والانقسامات، تحمل ثاراتها أحقادها انتقاماتها ، كيانات تنبثق من جذر المشكلة فلا يمكن أن تقدم حلول، بل تتحول لأداة للمشكلة ذاتها وتفاقمها . الناس تبحث عن ما يوحدها ويلملم شتاتها، تبحث عن كيان وطني جامع، وهولا يدمرون تلك الأحلام على رؤوس أصحابها، كيان ينتج صراعات، يفكك المجتمع لمناطق وطوائف، وجماعات متناحرة، يفرز الناس حسب أهوائه المريضة، ليزج بالوطن في صراع إقليمي قذر، بين الخصوم في المنطقة، من يمثل هذا، لا يمكن لكيان بهذا الغباء، والعقلية الصلفة، أن ينتج حلا، ينتج أزمات ومتاهات من صراعات لا حدود لها. خرجت الناس للشارع وهي تحمل أمال وطموحات، تريد دولة ضامنة للمواطنة والحرية والعدالة والمساواة، تريد تجاوز ماضيها العفن والصراعات السلبية التي تتحول لنار تأكل الأخضر واليابس، وتجعل منهم وقودا لنارها، المؤسف أن يستثمر هذا الجهل والصلف والعنجهية طموحاتهم وأمالهم، استثمارا قذرا يعيشهم على جثث الضحايا ودماء الشهداء رغد العيش، والثراء الفاحش، من نهب إيرادات الدولة، لدعم خارجي وارتهان وعماله، لابتزاز سياسي، كل ذلك بعد أن يحصنون أنفسهم، وتامين حياتهم وأسرهم، والآخرون وقود لصراعاتهم، بل في مرمى عنفهم وصلفهم ، مناضلين بالدفع يرتهنون للمال، تجار يبيعون كل شي حلال وحرام، الأرض والعرض والقيم والمبادئ، كل شي تحت خدمة مصالحهم، وبطانة فاسدة تصنع منهم أصناما ، تنسج حكايات خرافية عن هذا الصنم المؤزر، تصنع له تاريخ من العدم، تثنيه وتضخمه حتى تألهه وتسيده لدى بعض الضعفاء، حتى صار لديهم محصننا من المساس، من ينتقده فقد كفر، بطانة تنهب وتسرق وتنتهك وتعزر باسمه وفخامته، وهو مرتاح للمنصة والتصفيق والثناء والمديح والتضخيم، فيركبه الغرور والتمادي ويزداد غباء وسخرية. والضحية وطن وينتهك ينهار وشعب مظلوم وأمة صارت أضحوكة بين الأمم.