لم يستمع الغارقون في الخصومة ودائرة الانتقام، أن الحوار الوطني هي الفرصة المثلى للنجاة بالوطن، مهما كانت المآخذ، هي عملية إنقاذ، وتسوية تسعى لتلتحم الشروخ الاجتماعية والوطنية، وتتصالح القوى، وتتسامح النفوس، وترسخ العدالة الانتقالية لعدالة اجتماعية. فرصة للحشد، للمشروع الوطني الجامع، الدولة الوطنية الضامنة للمواطنة والحريات والعدالة، فرصة لتكون إرادة الناس هي المتصدرة، مخرجاته وقراراته مرجعها للشعب ليقول كلمته الفصل فيها باستفتاء وانتخابات، من يريد أن يعارض ويحتج يبرز شعبيته بالميدان ليحدد موقفاً يلبي قناعاته أو يخضع للأغلبية . فرصة لتفكيك بؤر الصراع والإرهاب وتجفيف منابعه الاجتماعية والسياسية والعقائدية وما يهدد بانفجار الوضع لإنقاذ وطن. فرصة تحتاج وعياً قادراً على النأي بصاحبه من التوجس والشكوك والوهم، لحسن النوايا، وترميم جسور الثقة والعلاقات، لنتقبل ثغرات من نعيش معهم ليتحول اختلافنا جمالاً وقوة، يثري حياتنا وينهض بنا، ليكون تنوعنا فسيفساء اجتماعية وسياسية وفكرية رائعة تعزف سمفونية الحب والتوافق والاحترام. وفي الحوار، نتراشق الأفكار والرؤى، نختلف ثم نتفق، ثم نختلف ولابد أن نتفق، الحجة بالحجة، أهم ما في الأمر هو تقويض العنف وقواه المتسلطة وتحييد السلاح. العنف والسلاح هي أدوات الحروب، وفي الحروب تطرى مكونات مجنونة لا عقل يكبحها ولا منطق للتفاهم معها، عضلاتها وثكناتها هي مرجعياتها، لا قانون ولا نظام يلزمها. هذا إن كنا نتطلع للدولة والنظام والقانون والعدل. اليوم نحن لا دولة ولا نظام ولا قانون ولا عدل، نعيش في غابة كل ينهش الآخر بحجج فارغة وثأر قديم ومنطق عقيم وعقل منتقم وروح مشبعة بالكراهية والعنصرية، ليتساءل الناس إلى متى سنقتل بعضنا؟ والمنطق يقول إن العنف يولّد عنفاً أشد ضراوة، والكراهية والعنصرية تقتل المجتمعات، والانتقام يدمّر وطناً، ولازال البعض يصر على السير على دماء وأشلاء خصومة ليتربع سلطة. اليوم.. البعض يقوّض الدولة ليكون بديلاً، وتوصيفه القانوني مليشيا، حيث لا شرعية قانونية له، وكل قراراته وإجراءاته خارج إطار القانون، وبالتالي هي إجراءات ظالمة، ووجب على كل وطني غيور أن يتصدى للظلم دون انتقاء، فتطبيق القانون والنظام لا مساومة فيه هو مبدأ وقيمة وطنية وإنسانية لكل مناضلي العالم. ما يحدث لا علاقة له بمحاربة الإرهاب، بل هو الإرهاب بذاته، الإرهاب فكر، ينمو ويتغذى بالفوضى وغياب الدولة والعدل والحرية والمساواة، محاربة الإرهاب هي قضية ثقافية وفكرية وقانونية لها التزاماتها وأدواتها، دون ذلك ما هو إلا إرهاب لإنتاج مزيد من الإرهاب. وغياب الدولة والنظام والقانون، وانتشار المليشيا والكيانات الأمنية والسياسية المتنوعة الأجندات والمرتهنة لغير قضايا الوطن هي البيئة المثلى لتنامي الإرهاب، وما يحدث في عدن والمناطق المحررة، هو إرهاب للآخر لفرض واقع عليه تقبله عنوة، الناس تعي وتدرك خطورة ما يمارس، والتصريحات الغبية التي تبرهن تورط أصحابها في جرائم عدن، والمدون يدون والمنظمات الدولية تسجل ولا تسقط تلك الجرائم بالتقادم، والقانون لا يحمي المغفلين.
أحمد ناصر حميدان
التطلع للدولة 1257